في كتابه الصادر حديثًا، «مساءلات في الثقافة البحرينية؛ عشرون عامًا من الصحافة الثقافية»، ضمن مشروع (كتاب البحرين)، يشرعُ كمال الذيب تصديرهُ بعنون (الكتابة فعل خطير...)، ليؤكد أن هذا الفهم «ضروري للخروج عن الكتابة بمعناها الانضباطي بما هي: قول شيء ما في شيء ما قولًا نهائيًا، كاملًا، ناجزًا، وغير مثقوب»، فهي بمثابة «محاولة للخروج عن الناجز، وإحداث ثقوب في ثوب اللغة المكتملة في جسم الثقافة المنظبطة، المروضة ترويض الجياد الأليفة».
هذا التصدير المليء بالرمزية يشي بقولٍ ما، يريدُ لهُ (الذيب) أن يشد القارئ إلى التنقيب في كتابٍ احتوى على (461) صفحة من الحجم الكبير، وشمل على نتاج أمضاهُ مؤلفهُ محررًا وكاتبًا ومتابعًا للصحافة الثقافية في مملكة البحرين، منذُ العام (1987) وحتى نهاية العام (2008)، وخلال هذه المساحة الزمنية، جمع لنا المؤلف عددًا من اللقاءات والحوارات التي تتفاوت أهميتها وعمقها ودلالاتها الثقافية والتاريخية، وضبط لنا مقاربات نقدية لعدد من الآثار والأعمال الأدبية والفنية، بالإضافة لمراجعات الكتب والأعمال التشكيلية، وبعض الصور القصصية، والهوامش، والمقالات المتنوعة، التي ضمتها عدد من الصحف والمجالات البحرينية والخليجية، من ضمنها (صحيفة الأيام).
وقد انطلق (الذيب) في توثيق المادة الأرشيفية الضخمة، انطلاقًا من حرصٍ ثقافي، نابع من ضرورة «التوثيق لمرحلة مهمة من الحراك الثقافي والجدل الإبداعي البحريني، خاصة لما تتضمنه هذه المواد من رؤى فكرية وثقافية تعد شهادة على مرحلة من التحولات الفكرية والثقافية والإبداعية في البحرين، والمنطقة الخليجية عمومًا».
مساءلات ثقافية:
جاء الكتاب مقسمًا إلى ستة أقسام، بدءًا من القسم الأول، المعنون بـ (مساءلات ثقافية)، والذي اشتمل على ثلاثة عشر عنوانًا، أولها: «مساءلة المشروع الفكري لمحمد جابر الأنصاري.. هشاشتنا الذاتية وراء نكبتنا الحضارية»، ثم ليذهب طارحًا «مساءلات حول صعود الصحافة الأسبوعية في البحرين وأفولها»، ولينتقل لـ «مساءلات حول منزلة المثقف في أسرة الأدباء..»، ويتبعها بحوار مع فوزية رشيد، أول رئيسة للأسرة، صرحت فيه: «لا يمكن تجاهل الثقافة في أي مشروع إصلاحي»، بعدها يتابع تساءلاته ويطرح «مساءلات حول إشكالية تفريغ المبدعين في البحرين»، ليعود مجددًا للحوار، وهذه المرة مع «الدكتور علي حميدان: الدولة العربية مسؤولة عن الظاهرة الأصولية»، ثم حوار مع «الدكتور علوي الهاشمي: صحافتنا الثقافية ورقة التوت التي تغطي العورة!»، وفي سياق مختلف، يرتبط بالهاشمي، يورد (الذيب) حوارًا آخر لهُ، بعنوان «مستقبل الكتابة، مستقبل الكتّاب: عصر ثقافة الكتاب يطوي صفحاته الأخيرة».
وليس بعيدًا عن المشهد البحريني، يوردُ حوارًا مع أديب ارتبط بالبحرين، وبالخليج العربي ككل، وهو غازي القصيبي الذي صرح «الخليج عندما ينكفئ صورة الخليجي القبيح حركت الشارع العربي!» ثم يذهب لحوار «القاص والروائي عبدالله خليفة: الثقافة الحق لا تخاف من تحليل الحياة بمشرط حاد»، ويتلوهُ بمساءلات حول «منطق الاختيار منطق الإصدار: مساءلات حول تجربة النشر المشترك».
بعدها يذهب إلى شخصية عربية، ولكنهُ جمع بها في محطة بحرينية، إذ يحاور «عبدالسلام المسدي: المثقف الحقيقي يمارس خياره السياسي دون التخلي عن ثوابته الفكرية»، وليس بعيدًا عن الفضاء العربي، يحاور «حسين السماهيجي: الثقافة في بعدها الخليجي تواشج بنيويًا مع البعد العربي».
زمن الشعر:
في القسم الثاني من الكتاب، والذي جاء مخصصًا لكل ما يتعلق بالشعر، ينطلق (الذيب) بحوار مع «الشاعر عبدالرحمن المعاودة في زمن المعارك»، ثم ينتقل لحوار مع «الشاعر أحمد الخليفة قبل الرحيل: الشعر والموسيقى روحان لا يفترقان»، بعدها يحقق (الذيب) مع عدد من جيل الثقافة الجديد -في ذلك الوقت-، حول «الشاعر إبراهيم العريض... وفاء للرومانسية وتغريد خارج الأفق المحلي»، ثم يعود من جديد إلى غازي القصيبي، ولكن هذه المرة بوصفهِ شاعرًا، ويعنون «الإنسان المعزول لا يكتب شعرًا».
كذلك يعود مجددًا للدكتور علوي الهامشي، بوصفهِ شاعرًا، ويحاوره تحت عنوان «طاقة الحلم لنتحرر من الواقع»، ثم ينتقل لمحاورة «الشاعر علي عبدالله خليفة: الصمت منطقة الاحتجاج المتبقية!»، ليتبعهُ بحوار مع «الشاعر عبدالرحمن رفيع: قصيدة النثر تصيبني بالمغص»، ليذهب بعدها، وضمن محطات بحرينية، لمحاورة «الشاعر مظفر النواب: الواقع تغير فتغيرت». وعودةً على شعراء البحرين يحاور الشاعر كريم رضي في بداياته، تحت عنوان «الإحباط يجرح ولا يقتل!»، ليقدم بعد ذلك محاورة أخرى لنفس الشاعر في نضجه «قصيدة النثر هي معصيتي الكبرى».
كما يقدم (الذيب) حوارات مفتوحة مع عدد من الشعراء البحرينيين، تحت عنوان «الحركة الشعرية الجديدة في البحرين»، يتلوها بحوار «الشاعر حسين السماهيجي: المشكلة في النمطية وشكلية اللغة والصورة الذهنية المجردة»، ليعود بعدهُ من جديد إلى «الشاعر كريم رضي: في السبعينات الشعر كان يمارس نفسه بالأيديولوجيا»، بالإضافة لحواره مع كلٍ من الشاعر علي الجلاوي، وعلي الستراوي، وسلمان الحايكي، وإيمان أسيري.
زمن القصة:
القسم الثالث من الكتاب، حمل عنوان «زمن القصة»، وقد قدم فيه (الذيب) عددًا من الحوارات، والقراءات، والنقود، لجملة من الأعمال القصصية، والأسماء اللامعة في الفضاء القصصي البحريني، على رأسهم علي سيار، وفريد رمضان، وعبدالله خليفة عبر قراءة في تجربته الكتابية، وحوار بعنوان «الهروب إلى الماضي في الكتابات الخليجة»، إلى حواره مع القاصة سعاد آل خليفة، وجمال الخياط.
زمن التشكيل:
من فضاء النصوص، إلى فضاء اللوحة والألوان، ينتقل (الذيب) في القسم الرابع، إلى الفن التشكيلي، عبر عددٍ من الحوارات، والقراءات الأنطباعية، والنقدية، إذ يتساءل: «عبدالجبار الغضبان وعباس يوسف اتحاد تناقض أم تناقض الاتحاد؟»، ويحاور «الفنان عبدالكريم البوسطة: العالم القديم ما زال يتكئ على عكاز!»، وينتقل للفنانة «بلقيس فخرو: الفنان الحقيقي ضد مسخ الإنسان وإهدار كرامته»، وبعدها يذهب لحوار الفنان جمال عبدالرحيم في بداياته، ثم في نضجه، كما يكتب عن «خالد الهاشمي... من صالون الفرجة إلى (المزاح في حدود المتاح)».
كما يقدم لنا (الذيب) حوارًا مع «التشكيلي عز الدين عمر: الساحة التشكيلية تعج بالتقليد والتكرار»، ويكتب في مقالة عن «الخزاف محسن التيتون وثلاثية إني أسمع أرى أتكلم»، ثم يذهب لمحاورة الفنان «التشكيلي المغربي محمد المليحي» الذي كان أبرز المساهمين في ملتقى البحرين أصيلة للثقافة والفنون، عام (2004).
زمن المسرح:
لا يغفل (الذيب) أهمية المسرح، ولهذا قدمهُ في القسم الخامس، عبر عددٍ من الحوارات، ابتداءً بـ «المسرحي عبدالله السعداوي» الذي أبدى استعدادهُ لإقامة المسرح حتى في الشارع العام، إلى جانب حوار للمسرحي «خليفة العريفي»، الذي مل الحديث عن مشكلات المسرح، وأعتقدُ بأنهُ حتى وقت كتابتنا هذه الأسطر، لازال في ملل من تلك المشكلات!
ثم ينتقل (الذيب) لحوار «الفنان إبراهيم بحر: ضد التجريب الفارغ والمسرح الخالي من الجمهور»، وكذلك المسرحي يوسف الحمدان، تحت عنوان «المسرح الطليعي امتلاك القدرة على الحلم والرؤية»، أما الفنان عبدالعزيز مندي، فقال في حواره «قمت بإحراق الممثل على الخشبة»، وتحدث الفنان محمد جناحي عن «تجربة الكاميرا التي تجسد روح الهوية»، أما الفنان حسن عبدالرحيم، فعنون حواره بـ «النهوض بالمسرح يحتاج إلى تأصيل في الفكر والوجدان».
زمن الحكاية والصورة:
في هذا القسم الأخير، قدم (الذيب) عددًا من الكتابات والمقالات، إلى جانب بعض الحوارات، مع شخصيات بارزة على المشهد الثقافي البحريني، بدءًا من «مي الخليفة.. طائر الفينيق»، مرورًا بـ «قصة ولادة مركز الشيخ إبراهيم: إحياء الدور الثقافي لمدينة المحرق»، وفي سياق الشيخة مي، يسردُ لنا (الذيب) تجربة الشيخة مي في تأسيس «مشروع اقرأ للأطفال».
كما يذهب لحوار عدد من الوجوه الثقافية، كـ «الدكتور عيسى أمين: أعشق المنامة والمحرق وأكره المزيفين»، كما يكتب عن «يوسف الشيراوي رحلة عبر عقل مهندس التنمية في البحرين»، ويحاور «لولوة العوضي أول محامية بحرينية» التي أكدت أن جيلهم كان أكثر جرأة وثقة بالنفس.
وينتقل (الذيب) إلى راحلٍ رحل عنا قريبًا، وهو «الباحث خالد البساط.. يوقظ الأوراق النائمة..»، فيما يحاور «الباحث بن حربان» عن المخزون الشفعي من الفنون الشعبية المهددة بالضياع، وفي سياق محطات بحرينية يحاور «محمد جنيفان» الذي صرح بأن «الجيل العربي المثقف جيل مأزوم».
جريدة الأيام البحرينية