أطلق الدكتور جعفر الهدي إصداره الأخير رواية " الشرنقة " وسط حفل تدشين أقيم بأسرة الأدباء والكتاب تحت إدارة الدكتور فهد حسين وبحضور رئيس أسرة الأدباء والكتاب الدكتور راشد نجم والعديد من الكتاب والنقاد والمهتمين في الشأن الأدبي .. جدير بالذكر أن الكاتب جعفر الهدي هو كاتب بحريني عضو ملتقى القصة و مختبر سرديات البحرين ورئيس لجنة السرد في أسرة الأدباء والكتاب .. رئيس إحدى الجمعيات الخيرية ومتمرس في العمل الاجتماعي والإداري والأدبي .. له العديد من الإصدارات منها : (كتاب المجتمع المدني في البحرين ، رواية أكواخ مقمرة ، رواية جدار الملح ، رواية شارع المعارض ) ..
وقد أشار الدكتور فهد في تعقيبه على الإصدار بصورة عامة إلى توفيق الكاتب في الانتقال من الشعر للسرد وفق مستويات متفاوتة وناجحة، مشيراً إلى أن طابع التشويق يطغى على الرواية فمنذ البداية يستهوي القارىء ماذا يريد أن يقول الكاتب أو الراوي الذي يروي الحدث .. وتطرق إلى أن بعض الأعمال تخلو من هذه الخاصية إذ أنها لا تحوز على إهتمام القراء وشغفهم وذلك لعدم وجود استفزاز جمالي أو فني يدفع القارىء لقراءة المنتج على غرار هذه الرواية التي تملك صفة مميزة وهي الدافع المستمر لدى القارىء في سبر أغوارها والتعمق فيما يطرحه الكاتب .. وأشار إلى المداخل المتعددة للقراءة في الرواية والتي تأتي وفق النقاط التالية :
١- في اطار السياق التاريخي : حيث ان الكاتب اتكأ على شخصيتان تاريخيتان في النص هما الإمام الحسين / حسين البغدادي / الحسين المنصور الحلاج .
٢- في اطار الفواعل والعوامل ..
٣- من حيث لعبة الزمن : من حيث تعامد الرواية مع الزمن باسترجاع الماضي ( بدءاً من الدولة الاموية مروراً بالدولة العباسية والدولة الفاطمية والتشتت الذي حدث آنذاك ووجود الدويلات ) والذي يبني أحداث الرواية الحالية ..
إذ أنها تناولت ٥٠ أو ٦٠ سنة وهو عمر حسين البغدادي.
٤- من حيث المكان : حيث أن أحداثها ترتكز في دولة العراق..
منوهاً إلى اللفتة في الأعمال الروائية البحرينية الجديدة والتي يخرج فيها الكاتب من حدود المكان الضيق إلى الاتساع ..
وبالعودة إلى الدكتور جعفر الهدي الذي تحدث عن اتكائه في الرواية على شخصية الحسين المنصور المسمى بالحلاج و الامام الحسين والشخصية الرئيسية حسين البصراوي وفق المحاور المطروحة من الدكتور فهد حيث أشار الدكتور جعفر إلى أن الرابط بين الشخصيات السالف ذكرها هو موضوع الرواية ،، إذ أن موضوع الرواية له بعد فلسفي يتناول ما تمر به بلداننا العربية من صراعات وحروب وويلات كثيرة والشعور الفعلي بأننا نعيش نعيش في شرنقة بين مبادئنا التي مثلتها شخصية الامام الحسين وبين افتراقنا عن هذه المبادىء من خلال الشخصيات التي مثلها البطل ..
علاوةً على أن الامام الحسين وهو الرمز التاريخي الذي تناوله أكثر من كاتب يمثل رمزاً للمبادىء وهذه الرمزية الطاغية المرتبطة بالامام الحسين تجعل الكاتب الذي يتناول مسألة الصراع في المبادىء والاقتتال و الحروب يحتاج لشخصية يتكا عليها بما يمثله من مبادىء ومن وجهة نظره ككاتب فإن الامام الحسين أكثر شخص يمثل النقاء في المبادىء .. ويكمن الارتباط بين الحلاج والامام الحسين في كون والزمان والمكان الذي قتلوا فيه يتقاطع في العراق مما ساهم في عمل جسر بين الامام الحسين والحلاج بحيث يكون هناك إضاءة بين المبادىء والصراعات.
كما أن الرواية تحتوي على مستوى تاريخي وزمني ومستوى سرد للأحداث باحتوائها على قصة آنية تدور أحداثها في العراق حول شاب يدعى حسين البصراوي يقوم بتبديل اسمه لاحقاً إلى حسين البغدادي ويتقمص بسبب أحداث مرت به في الرواية شخصية الحلاج وهي شخصية مثيرة للجدل في تاريخنا وتفتح الكثير للأسئلة والإجابات لواقعنا الحالي .. ونوه على أن الرواية ليست مع أو ضد شخصية الحلاج فهي تسرد حياة ومواقف الحلاج كدرس وعبرة وتتطرق إلى كيفية انقلابه من شخصية دينية عادية (شيخ دين ) إلى متصوف يغوص في أعماق الصوفية بجانب اعتكافه لعام كامل في الحرم المكي وتحوله إلى رجل سياسي يشارك لاحقاً في الانقلاب على المقتدر العباسي ليكون عنصراً فاعلاً في السياسة له سلطة تعيين الوزراء واقالتهم كما له سطوة مهمة على الشخصيات السياسية في الرواية .. فضلاً عن كونه شخصية عابرة للمذاهب وهي شخصية تمثل اسقاطات على واقعنا الحالي ..
وبالحديث عن مقتل الشيخ علي الياسري و الغموض في عدم كشف سبب القتل وكون هذي الجزئية تمثل مبرر سلبي في عدم كشف سبب القتل أم هو تعمد من قبل الكاتب ليقوم القارىء بالبحث كما يريد ، أوضح د.جعفر أن حالة القتل هي تمثل حالة عامة في الواقع الحالي والتاريخي في المجتمع العراقي إذ أن القتل هناك لا يحتاج إلى مبرر هو ترك للمبادىء دون مبرر واضح مما يعكس التأويلات التي يمر بها المجتمع العربي في هذا الصدد والذي من خلاله نلاحظ اقتتال الاحزاب الدينية لبعضها البعض دون مبرر حقيقي أو منطقي لهذا القتل .. وفي شأن توظيف الراوي وتداخل الرواة أشار د.جعفر إلى المجهود المبذول وفق خطة مرسومة للعمل السردي من الكاتب حيث أن أزمنتها مختلفة وشخصياتها متعددة تحتوي على ارتجاع كثير للماضي وتداخل كثير والذي كان مرهقاً بعض الشيء بسبب الأدب العجائبي المتعب للذهن حيث يكون الكاتب بين الواقع والخيال فيتخيل كيف سيقرأ القارىء هذه الرواية .. وتطرق إلى الإعتماد على ضمير المتكلم الراوي العليم في الروايةمن خلال شخصية حسين البغدادي وهو الشخصية الرئيسية العالمة بكل شيء دون اللجوء إلى التقنية السردية المتمركزة في فكرة المذكرات كما لو أن هذه الشخصية موجودة في الحدث فقط ويأتي ذكرها من خلال شخص آخر يتكلم بضمير الغائب ذلك لكونها تقنية مستهلكة جداً.
ختاماً أشار الكاتب إلى النهاية من خلال شخصية الحلاج الذي يقتل ويصلب والتي جعلتنا أمام رواية نموذجية تتناسل فيها المأساة مرةً بعد أخرى وهي خاتمة لم تخضع للتغيير والتبديل من قبل الكاتب نهائياً رغم المراجعات المستمرة للرواية ..
وفاء فيصل.