ان تتغلب على وجعك وتقايضه قبل أن يقايضك. نادية الملاح التي خبرتها شاعرة وقد أصدرت ديوانين كالتالي مرثية لملاك لم يخلق بعد و(اسررتها كيوسف كما اسرها في نفسه). ثم فوجئنا لتصدر روايتها الموسومة بـ (بلا وجه). لعلي استغربت قليلا أو كثيرا ولم أخف هذا الاستغراب الى ان خرج على هيئة سؤال قدمته لنادية الملاح خلال الأمسية التي نظمتها لجنة قضايا المرأة بجمعية فتاة الريف مؤخرا بمقر نادي الشباب في منطقة جدحفص.
لماذا الرواية الآن وقد عرفناك شاعرة يا نادية؟ في الوقت الذي يثير دهشتي ان تصدر الملاح رواية بعد ديواني شعر وحمل الصفة الأدبية شاعرة استدرك أن ثمة نماذج كثيرة من الأدباء اذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر منهم تحولوا الى السرد أو القصة أو الرواية، ومنهم من استمر في كتابة كلا الصنفين الأدبيين معا الشاعر والروائي عبدالحميد القائد، والشاعر والروائي السعودي الراحل غازي القصيبي. الشاعر علي الستراوي الذي أصدر رواية النديد الى جانب ستة دواوين شعرية.
- وأجابت الملاح بأنها تحب الشعر جدا ولن تتخلى عنه. الشكل الأدبي انما يعتمد على التجربة والموضوع هو الذي يختار الشكل الأدبي المناسب.
ليس بالضرورة ان يحصر الأديب نفسه في قالب أدبي واحد. باعتقادي ان غنى التجربة الإنسانية وحجم التجربة هو المعني ربما أكثر من غيره بتحديد الصنف الأدبي. ويبقى هناك أدباء يظلون مخلصين لنوع او صنف أدبي واحد.
قدم الأمسية عضوتا الجمعية الأستاذة نعيمة السماك والأستاذة غادة المرزوق. وقد طرحت المرزوق على الملاح سؤالا عن المقصود بالغرب؟ أو الجهة الغربية؟ التي برزت في مواضع كثيرة من صفحات الرواية؟ واجابت الملاح بان الغرب هو قد يكون الغرب بمعنى بلاد الغرب، والغرب هو الغربة، وهو أيضا جهة الصلاة أو العبادة، وقد يكون له أكثر من دلالة ومعنى.
أما السماك فقد قدمت ملخصا سريعا لفصول الرواية العشرة.
الرواية التي حملت في طياتها أطنانا من الألم والمعاناة لا شك انها صقلت الملاح إنسانيا وأدبيا. فالكتابة التي هي فعل تطهير هي أيضا أداة كشف وشفاء في آن. وقد احسنت الملاح استخدامها. ولو قدر للملاح أن تكتب رواية أخرى فسوف تأتي من دون شك متحررة من شحنات الألم والحزن. ما الذي أرادت (بلا وجه) ان تقدمه للمتلقي في فصولها العشرة أول التيه نفق، الأماكن عطر ذكرى، صهيل، أزرق جائع، تواطؤ الحلم والشمس، بوصلة، الغروب التلاشي، عبور، فوق الرمل يدفنون، تخلق. تحمل الكثير من الألم والحزن. وبرأيي ان الملاح بإنجازها هذه الرواية تخلصت من كم هائل من الحزن والألم. وقد أصبح ألمها الآن شفيفا ورهيفا، لكنه في زمن مضى كان لا بد من سكبه على البياض وتسويده.
استطاعت الملاح وبتمكن ان تتماهى مع الحزن العام والحزن الخاص فنحن جزء لا يتجزأ من هذا الوطن، وحيث ان جراحه هي جراحنا وآلامه هي آلامنا.. ومن هنا أحدثت حادثة نفق المعصيم 1990 في طفولتها جرحا غائرا وقد مر عليها اليوم 33 عاما، ولذلك بدأت فصلها الأول بأول التيه نفق.
(كنت أشعر بالخوف نفسه ونحن نمر فيها من هذا النفق. كأن يدا خفية تقبض على عنقي تشل ما بي. بالرغم من أن طوله لم يكن شئيا يذكر قياسا بنفق الحجاج. الا ان النفق بقي منحوتا في ذاكرتي صورة للموت.
الأماكن عطر ذكرى
كان هو بعد سبع سنوات عجاف لم أحلم فيها بشيء الا أن أولد من جديد، سبع استرقن أيام عمري بلا رحمة.
- لم أكمل جملتي الا ويده تلوح عمياء لا توفر مكانا من جسدي الا وتنهال عليه ضربا.
ابتسم بوجع وأحمل ماهر داخلي قصة عشق لا تنسى لكني لن آمن له قط.
صهيل
- استحي يا حرمة. قومي من هنا هذا مكان الرجال.
- قبضت حينها على العصا. ورفعت عيني اليه في حدة:
- انا في بيت الله، ولن أنهض حتى أتم قراءة ما في يدي. فهمت؟ أم أعيد؟
- تناولت سجادة الصلاة، وتوجهت بعيني وروحي وجسدي جهة الغرب. وفصلت روحي على مقياس المسافة التي تبعدني عن الكعبة التي بها التصقت أنفاسي وكلي ورفعت يدي بالدعاء «ربنا لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا».
- وظننت كما ظنوا بان تلك الشهقة كانت فاتحة النسيان. نسيان ماهر الذي ما عدت أراه يطل في شرفتنا الزرقاء، ولا عدت أسمع صوته الذي يهدهد روحي. فأحيا.
أزرق جائع
كنت ألجأ للبحر كلما ضاقت نفسي. اما الآن فصرت اقصده لأتأمل توحشه المستتر خلف هذه الهدأة.
الغرب بات في قاموسي جهة الغياب، جهة اللا عودة.
تواطؤ الحلم والشمس
- نعم أنا لا أمزح. انت صعدت على ظهور الناس لتصل. ولم تكن بحاجة إلى الاستعانة بالحيوانات لتصل. بالرغم من انهم يليقون بأمثالك.
- أنت وحدك من نطق قائلا: هذه ليست مسؤوليتي أمامك المحكمة المستعجلة. وبعد يومين اتصلت تراودها عن نفسها، وتغريها بمسكن مجهز بكل وسائل الراحة. وحين رفضت أردفت بكل حقارة ابق لاذن كما أنت وهذا وجهي لو حصلت على الطلاق.
- بوصلة
- لم أشعر حينها الا بيده تحطم مني الروح قبل الوجه.
- غادرت المستشفى والجرح لا يجبره شيء.
- حين استبدت الأوجاع بنساء قريتنا صرن أكثر قدرة على تتبع حقوقهن داخل القرية.
- علي النسخة المصغرة للحجي كان يردد على مسامعي سأربيك من جديد.
- لأول مرة أسمع أصوات الكلاب اللاهثة ولا اخافها لأنني صرت على يقين انها أكثر رحمة من الكلاب البشرية التي تنعش من أرواحنا من دون رحمة.
- كيف أصدق ان من صفع الحجي يوما لأنه رمى بي خارجا يمارس الدور نفسه اليوم، وان يداه اللتين ظننتهما وسادة رأسي هما ذاتهما اللتان تسددان لي الصفعات من دون رحمة.
فوق الرمل يدفنون
سأصطحبه بكرسيه المتحرك الى حفل التكريم، لأهديه نجاحي، لأمنحه ان يفتخر بابنته المتمردة التي قد تتمرد على الكون بأسره. لكنها لا تعاند في حبه والامتنان له.
وكأن القدر يأبى الا يذكرني بغدر هذه الجهة الملعونة
لم يسافر أبي الى الغرب ولم تبتلعه وساوسه. لكنه بات في ثوبه الأبيض بمحاذاة السور الغربي.
تخلق
رفعت يدي مشيرة الى الباب
ماهر تفضل من حيث أتيت.
أمي: حين غرس أبي النخلة أمام بابنا كان يبتسم ويقول: هذه النخلة هي أنت يا ندى تشبهينها وتشبهك. شفيت منك يا ماهر شفيت تماما.
نعيمة السماك
جريدة أخبار الخليج