عبرَ ثلاث عشرة قاعدة، تسرد الكاتبة البحرينية وفاء فيصل فصول روايتها «غَمامة حُبّ» من خلال الغوصِ عميقاً في تجليات العواطف الإنسانية، وأسماها عاطفة الحبّ، إذ تسوق أحداث روايتها من خلال توتر شخصياتها صعوداً وهبوطاً، فترصد العلائق الاجتماعية في بيئة مكانية هي «كلية الحقوق» في إحدى الجامعات المصرية ومن خلال روح الشباب واندفاعه نحو الأحلام العريضة والتي في الغالب ما كانت تصطدم بعتبة الواقع المترع بالخيبات، عبر تلك الأحدوثة، تمرّ علاقة الحبّ بين «حسن» «وهدى» زميلته في الدراسة والعمل، تضع الروائية شخصيات روايتها في بيئة قَدَريّة تتحكَم بمصائرها، ويبقى الراوي العليم هو من يُمسك بخيوط السرد حتى آخر الرواية.
من خلال ذلك يستند الراوي إلى مجموعة من القواعد باعتقاده أن بطل الرواية إن تمسّك بها سيخرج منتصراً في نهاية المطاف، هذه القواعد في الغالب كانت بوصلة حسن في خروجه من مآزقه العاطفية والاجتماعية، من خلالها كان يضع أهدافه نصب عينيه ويصحح مساره ويشحن ذاته بالعزيمة أو يخلصها من عوالق الماضي.
فبدءاً من القاعدة الأولى التي تقول «اتّخذْ قرارك بنفسك وليس بواسطة الآخرين» إلى القاعدة الثالثة عشرة والأخيرة والتي تقول «تمسّك بقرارك حتى آخر لحظة».
بين هذه القواعد، تنوس حياة حسن، بين تحقيق حلمه وحلم والده فيه في أن يكون محاميّاً ناجحاً وفي البحث عن حبّ حياته واكتمال علاقته بفتاة أحلامه «هدى» تسير حياة حسن في اتجاهين متعاكسين، فبقدر ما تتطور علاقته إيجابا بالقانون، تبتعد عنه هدى من خلال تجاذب العلاقة سلباً، لكن دونما أيّ صدام شخصي أو مصارحة بينهما. وكعادة كلّ قصص الحبّ الدراميّة، يفرقهما القدر، ليعودا من جديد يلتقيان في مكتب المحاماة الذي يعمل فيه حسن، لكن بعد فوات الأوان، يهرب حسن إلى الأمام لتحقيق حلمه في متابعة دراسته العليا في فرنسا، فيلتقي من جديد مصادفة بهدى، بعد أن نالت منها ظروف الحياة وحرفتها عن مسارها المهني، لتغدو موسيقية في فرقة ألمانية مشهورة. يستشعر حسن أن حبّ هدى إكمال لشرط حياته وإتمام لنقص فيها، فيواصل اللهاث خلفها، كل ذلك يسير بالتوازي مع أحلامه العريضة حبّ له صبغة روحيّة، لكن من طرف وأحد «طرفه» وتجمعهما المصادفة القاسية وتضعهما على خطّ زماني وفي بيئة مكانية غريبة وبعيدة.
تسير الرواية وفق الأحدوثة السردية ومن خلال سيرورة الأحداث وفق النموذج الكلاسيكي «بداية وعُقدة وحلّ أو نهاية» أو على غرار القصص الدرامية التي عُرفت في بدايات الرواية والقصة العربية، وكثيراً ما عالجت الدراما التلفزيونية المصرية هكذا قضايا، إذ تنتهي الحكاية غالباً بموت أو سفر المحبوبة في اللحظات الأخيرة وفي أغلب الأحيان ينذر البطل نفسه لتربية أولاد محبوبته المفقودة، إذ أن القدر في الحكم الفصل في تلك العلاقة.
في البيئة المكانية تدور أحداث الرواية بدايةً في مصر ومن ثم فرنسا، وألمانيا.
تمهّد الكاتبة عادةً لكلّ فصلٍ من فصول الرواية، بقاعدةٍ ترسم فيها مُحددات المرحلة التالية من خلال حِكمة لها مرجعيتها القانونية أو الاجتماعية هي الغالب هي حكم حياتية خلاصة تجارب بشريّة تنمّ عن خبرة عالية في تلك الموضوعات وهذا يعكس اهتمام الكاتبة بالقضايا القانونية كونها محاميّة.
من تلك الاشتراطات القانونية الاجتماعية مثلاً «ما دمتَ قانونيّاً ستكون عادلاً، وما دمتَ عادلاً ستكون فاضلاً».
تطرحُ الرواية أسئلة كثيرة وهي أسئلة شخصيّة فرديّة، تتعلّق بنوازع الفرد وطموحه، وقدرته على حرق الماضي خلفه من أجل مستقبله من خلال شخصيّة البطل الذي تخلّى عن زوجته «زهرة» التي تزوجها حسن كردّة فعلٍ لنسيان المحبوبة «هدى» بعد أن رآها تفقد تحكّمها بذاتها وتنحدر باتجاه الخرافة والسّحر وتتحول من مُنقذٍ لمظلومٍ عبر شبكة القانون كمحاميّة إلى ضحيّة تتخبّط في شباك المشعوذين تحيكُ الدّسائس له، جاء انتكاسها ذلك رغم «ثقافتها الجامعية» فلم تعد تستطيع انقاذ نفسها من أجل أن تُنسيه حبّه الأول، لكنها دفعت الثمن غالياً بعد انكشاف أمرها، وهذا بدوره يحيل إلى مسألة انتكاس الفرد إلى الغيبيات في حال عجزه عن إيجاد حلول واقعيّة تحت ضغط هواجسه، هل يُغفر للزوجة أن تسعى للمحافظة على زوجها وبيتها بهذه الوسائل؟ حين ترى زوجها يطارد وهمه الجميل؟ ولعل سؤالاً آخر يقفز إلى ذاكرة القارئ، كيف يسعى حسن نحو الفضيلة مع هدى في حين ينساها مع زوجته زهرة؟
ومن جهةٍ أخرى فإن «منى» الزميلة «العَذول» التي تلعب دوراً سلبيا في إفساد العلاقات السليمة، تمثّل هذا النموذج السّام الذي كثيراً ما نصادفه في حياتنا، لكنّها بالمقابل تنطلق من نوازع شخصيّة تريد تحقيقها.
كما يُمكن التوقف مطولاً عند هدى هذه الشخصية المتطورة عبر مساحة السرد والتي وجدت البيئة المُحيطة والراعية لها في ألمانيا من خلال شخصيات ألمانية داعمة، استطاعت أن تكتشف فيها موهبة موسيقية عالية وتضعها في السياق الحياتي الصحيح لها لموهبتها، وقد جاء ذلك كنتيجة أو كتعويض عن العنف والانكسار الذي لحق بها من زوجها الذ أهملها مع أطفالها، بعد أن تخلّى عنها، قُدرةٌ جبّارةٌ وضعتها الكاتبة في هدى أوصلتها إلى الأوركسترا الألمانية العالمية من خلال التنقيب في ذات هدى والبحث عن روافعَ تنتشلها من بؤسها، بدافع الحبّ، هذا الشعور اللذيذ اللطيف الذي يُحرّك الشخصيات باتجاه أفعالها الحسنة والإيجابية ورغم أن الحبّ «أعمى» إلاّ أنّه البوصلة التي أوصلت شخصيّات رواية «غمامة حبّ» إلى أحلامها رغم اختلاف صورة البداية عن النهاية، إلاّ أن هذه الشخصيات واعني – حسن وهدى – لم تنكسر بالمعنى العاطفي بل حققت الكثير من الإنجازات على الصعيد الشخصي من خلال تلك العاطفة.
جاءت لغة الرواية شفافة قريبة إلى لغة الحياة اليومية المتوافقة مع منطق الشخصيات ومهنتها ومستواها التعليمي.
ورغم أن الرواية هي التجربة الإبداعية الثانية للكاتبة إلاّ أنّها تشي بموهبة واعدةٍ، لعل قادم الأيام يكشف المزيد من إبداعها.
موسى الزعيم