من خلال كتابه “المجتمع المدني في البحرين” أثبت الكاتب البحريني الدكتور جعفر الهدي أن فكرة المجتمع المدني ليست غريبة أو جديدة على المجتمعات العربية والإسلامية، وإن كان المصطلح وسياقه الدلالي اللغوي الحالي لا علاقة له باللغة أو الفكر العربي، وقد أوضح الباحث في كتابه الذي تم تدشينه بمعرض القاهرة الدولي عن دار اسكرايب بالقاهرة العام 2022 أوضح أن المصطلح الذي نحته الفكر الغربي لا يعني أن فكرة تكوين مؤسسات مجتمع مدني كانت غائبة عن المجتمعات العربية والإسلامية واستدلّ على ذلك بتأسيس العديد من المؤسسات الثقافية والاجتماعية ذات الطابع المدني ومن بينها جماعة إخوان الصفا، والمدارس والملتقيات الأدبية التي اتخذت طابع يقارب المؤسسة الاجتماعية.
يشار إلى أن الدكتور جعفر الهدي باحث وأديب من مملكة البحرين، وهو محاضر جامعي، وقد صدر له العديد من الكتب والأبحاث والروايات.
في بداية اللقاء سألت الكاتب عن فكرة الكتاب، وكيف عالج هذه الفكرة؟
فكرة الكتاب تبلورت لدي من خلال بحثي وتتبعي لحراك مؤسسات المجتمع المدني في البحرين خلال العقدين الأخيرين، فقد كنت أعمل صحفياً منذ العام 2000 وحتى العام 2010 وقد أتاح لي ذلك متابعة التطورات التي حدثت للمجتمع المدني في البحرين منذ بداية الألفية، وهو ما جعلني أستنتج أن المجتمع المدني في البحرين مرّ بأكبر حدثين خلال هذين العقدين أي ما بين العام 2000 حتى 2020، وهذين الحدثين هما: التصويت على ميثاق العمل الوطني في نوفمبر من العام 2000، فقد كان ذلك التصويت بمثابة رافعة أدت إلى تعديل العديد من التشريعات، وهو ما أسهم في دخول المجتمع المدني في مرحلة ازدهار غير مسبوقة، فقد ارتفع عدد مؤسسات المجتمع المدني من أقل من 200 إلى أكثر من 700 جمعية ونادي ومن بينها الجمعيات السياسية التي تمثل أحزاباً، ووصل عددها إلى 16 جمعية.
في بلد صغير كالبحرين يمثل الرقم 700 مدخلاً كبيراً لفهم ما أحدثه الميثاق من أثر، وهو يعني أن هناك جمعية واحدة لكل 1000 مواطن إذا احتسبنا عدد البحرينيين فقط، وأن هناك جمعية واحدة لكل 2000 مواطن ومقيم، وهذه نسبة عالية للتمثيل حتى إذا قورنت بالمجتمعات الغربية الذي يزدهر فيها المجتمع المدني.
في المقابل جاءت أحداث الربيع العربي وتحديداً في 2011 لتلجم النمو المتصاعد للجمعيات والأندية في البحرين، وتم تعديل الكثير من القوانين التي كبحت مسيرة التقدم في التشريعات ومن بينها تعديل قانون النقابات الذي يعدّ أحد القوانين المتقدمة في مجال تأسيس المنظمات العمالية إذ يكتفي القانون بمجرد الإخطار لتأسيس النقابة.
من خلال دراسة المؤثرين تبلورت فكرة الدراسة، وقد أظهرت نتائج مهمة، ولذلك لقي الكتاب اهتماماً طيباً من قبل الباحثين والقراء والعاملين في مؤسسات المجتمع المدني.
هل أفهم من حديثك أن الكتاب دراسة عنن المجتمع المدني في البحرين فقط؟
على العكس تماماً فالكتاب دراسة عامة حول الكثير من مفاهيم وقضايا المجتمع المدني، لكنني يمكن أن أقول أنه اتخذ من البحرين نموذجاً للتطبيق، فالكتاب ومن خلال الفكرة التي تحدثت عنها سابقاً يصل إلى نتيجة مهمة تتعلق بالشأن السياسي لأي بلد وهي إن أي إصلاح يبدأ من اصلاح المجتمع المدني، وقد طبقت ذلك على البحرين حيث وجدنا أن العمود الفقري للمشروع الإصلاحي الذي أطلقه عاهل البلاد الملك حمد بن عيسى آل خليفة كان إصلاح وضع مؤسسات المجتمع المدني، بحيث يمثل حراكها الاجتماعي والسياسي والثقافي النبض العام للشارع، وهذا ما حصل فقد تحولت البحرين إلى خلية نشيط في كل المؤسسات والأندية والجمعيات لمناقشة التشريعات والقضايا العامة.
لكن بالعودة للسؤال سنلاحظ إن الكتاب يفرد تمهيداً مطولاً حول نشأة الفكرة الاجتماعي، ويستعرض في هذا التمهيد خلاصة نتاج الحضارات الصينية والمصرية والهندية وغيرها فيما يتعلق بالفكر الاجتماعي، كما يستعرض الكتاب أراء أهم المفكرين في مجال المجتمع المدني، ومن ذلك ما اسهم به المفكرون العرب ومن بينهم ابن خلدون الذي أسس نظرية التطور في الحياة الاجتماعية، وهي تعني أن المجتمع يتطور وفق مجموعة من الأنساق المتصلة بالفرد والمجتمع والبيئة، وتعد التشكيلات الاجتماعية النسق الأول الذي يشكله الفرد مثل الأسرة والقبيلة والجماعة والحزب والدولة، ويمكن تسمية هذا النسق بالنسق العضوي نسبة إلى أعضاء النسق، وبموازاة هذا النسق يبرز النسق الثاني ويتضمن الدين واللغة والعادات والتقاليد والثقافة والأدب ويمكن تسميته بالنسق الفكري، وهذا النسق يمثل القواسم المشتركة بين أعضاء وجماعات النسق الأول.
كما تناول الكتاب تأكيد علماء الاجتماع أن الحضارات كالكائنات الحية تولد وتعيش ثم تموت وكما نلاحظ فإن حضارات متعددة سادت ثم بادت وتركت للأجيال أثاراً فقط، وكما أن هناك لغات حية هناك أخرى ميتة، وحتى الدول تولد وتبقى فترات من الزمن ثم تسقط وتنتهي، وهكذا فإن إطارات الأنساق تتفاعل مع بعضها ومع البيئة المحيطة فيما حولها لتصنع الحضارة التي تمر كما يقول ابن خلدون بثلاث مراحل هي: البداوة ثم الحضارة ثم الترف الذي يؤدي للسقوط.
وهذا يعني أن الكتاب دراسة عامة ولكن طبقتها على وضع المجتمع المدني في البحرين.
يمكن القول إن هذا الكتاب محاولة لصياغة رؤية جديدة للمجتمع المدني في مملكة البحرين، بعد مرور البلاد بمؤثرين قويين أدى إلى تغييرات كبيرة في بنية المجتمع المدني، المؤثر الأول هو المشروع الإصلاحي أما المؤثر الثاني فهو الأحداث التي مرت بها البحرين إبان الربيع العربي عام 2011، وقد أحدث هذان المؤثران تغييراً كبيراً في مسيرة المجتمع المدني، كما ألقيا بظلالهما على علاقة الدولة ورؤيتها لتشكيل المنظمات الأهلية، وفي المقابل أثر على المنظمات نفسها، ولنتمكن من الحديث عن إشكاليات هذه العلاقة علينا أن نتوقف عند مفهوم المجتمع المدني الذي يعد مفهوماً جدلياً، ولأنه مفهوم جدلي فسنجد أنفسنا نقف عند إشكالية أخرى هي تحديد المؤسسات التي يشملها المجتمع المدني، وتلك إشكالية في حد ذاتها تحتاج للتوقف.
لذلك توصل الكتاب إلى نتائج يمكن أن تساهم في بلورة محاور لإصلاح أوضاع المجتمع المدني في البحرين وهي تتلخص بإنّ أي إصلاح سياسي أو اجتماعي أو اقتصادي ينبغي أن يبدأ من إصلاح أوضاع منظمات المجتمع المدني، فهذا الإصلاح هو مدخل الإصلاح العام، وهذا ما يعطي هذا الكتاب وغيره من الكتب والدراسات التي تهتم بهذا الموضوع الأهمية والتأثير، وهذا ما يحفزنا لتقديم المقترحات التي نأمل أن تكون مدخلاً للإصلاح والنهضة والتقدم.
اهتم الكتاب بحسب تصفحي بمفهوم المجتمع المدني، وتطوره وربما كان هذا الحديث مدخلاً نظرياً للكتاب، كيف تناولت هذه الجزئية؟
لم يتبلور مفهوم المجتمع المدني الذي نلاحظه اليوم في الكثير من دول العالم بسهولة، فقد كان المجتمع كتلة واحدة يتشكل من مجموعة من النواة وهي الأسرة، العائلة، القبيلة، ومع ارتفاع التعقيد في أساليب العيش بدأت تبرز ظاهرة التعارض بين المصالح الفردية والمصالح العامة، وبدأ الإنسان يبحث عن جماعة للدفاع عن حقوقه في العيش وسوف نلخص تطور المفهوم في ثلاث مراحل:
المرحلة الأولى- مرحلة المجتمع البسيط: في هذا المجتمع عاش الإنسان تجمعات صغيرة لا تتعدى العائلة والقبيلة، ولم تظهر الحاجة لتأسيس تكتلات أو جماعات موازية لسلطة القبيلة أو العشيرة.
يتفق الفلاسفة وعلماء الاجتماع مثل (ابن خلدون وهيجل وروسو) أن نشأة التجمعات البشرية حتمية أو ضرورة أملتها طبيعة الإنسان بصفته كائن اجتماعي بطبعه، وكان الهدف من تشكيل التجمعات: توفير الشراب والطعام للفرد، وتوفير الأمن والسلام من التهديدات المختلفة التي تحيط به.
المرحلة الثانية، مرحلة المجتمع المركب: في هذا المجتمع بدأ الإنسان يتحول للمدنية، وأخذ بشكل تدريجي يستبدل القواعد التقليدية لتجمعاته كالقبيلة والعشيرة إلى تجمعات تناسب الحياة في المدينة.
المرحلة الثالثة، هي مرحلة المجتمع المعقد، في هذا المجتمع بدأ عصر العولمة وتداخل مصالح الشعوب، وفيه تشابكت المصالح بين المجموعات البشرية بشكل أكبر وبدأ الإنسان يفكر في طرق جديدة للتحكم والسيطرة وتحقيق مصالحه الفردية وسط المصالح الجماعية.
ويمكن تلخيص أراء الفلاسفة والمفكرين بحسب التطور التاريخي كالتالي:
المجتمع المدني عند اليونانيين: ويتصدر رأي أرسطو في فهم مصطلح المجتمع المدني، وقد فسره بأنه” مجموعة سياسية تخضع للقوانين” وبذلك يمكن القول إن أرسطو اعتبر المجتمع المدني هو المعارضة بحسب التعريف المعاصر لمصطلح المعارضة.
كما اعتبر المجتمع المدني هو الدولة حيث لم تميز الفلسفة اليونانية بين المجتمع والدولة واعتبرتهما أمراً واحداً.
وسنلاحظ اهتمام المفكرين الغربيين بتعريف المجتمع المدني وسنذكر رأيين في هذا الصدد: الرأي الذي تبلور من خلال الفلسفة الليبرالية والذي ربط بين مصالح الفرد ومصالح المجتمع واعتبر تحقق المصالح بأن تعمل الدولة على حراسة القانون العام وأن تترك للأفراد الحرية في حياتهم الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، وذلك ما أبرز فكرة العلمانية التي رسخت فكرة فصل الدين عن الدولة، وعليه فإن الليبرالية ربطت بين المجتمع المدني والحرية وعدم الاستبداد.
من الفلاسفة الليبراليين “جون لوك johnlocke” الذي تحدث عن: قدرة الفرد عن الدفاع عن نفسه وحقوقه وممتلكاته واقترح تشكيل مجتمع سياسي لمواجهة الفوضى، ولكبح جماح قدرة الفرد على الإضرار بالآخرين، وفق هذه النظرة استبدل لوك الملكية بصيغة أقرب للديمقراطية.
أما هيجل فقد اعتبر المجتمع المدني جزء من الدولة وعد التاريخ مسرح متطور على مراحل، وأكد أن المجتمع المدني سلطة تضم الدولة والمجتمع التجاري.
أما الرأي الذي تبنته النظرية الشيوعية: فقد أبان كارل ماركس رأي هذه النظرية معتبراً المجتمع المدني “ساحة الصراع الطبقي”، وذلك تماشياً مع تفسير النظرية الشيوعية للتاريخ بما عرف بالديالكتيك أو صراع الطبقات، ويفهم من هذا التفسير أن النظرية الشيوعية ركزت على الصراع وأغفلت التكامل بين أفراد المجتمع وطبقاته، واهتمت بالصراع الاقتصادي، وأهملت الصراع الفكري والاجتماعي.
ولكن هل تناولت الآراء المعاصرة لمفهوم المجتمع المدني؟
تطور مفهوم المجتمع المدني لدى المفكرين المعاصرين بحيث تم فصل المجتمع المدني عن الدولة، وتبلور الرأي القائل بأن المجتمع المدني عبارة عن تكتلات اجتماعية تتصف بالاستقلالية وإن كانت تعمل في إطار القانون الذي تقره الدولة بصيغتها الحديثة القائمة على استقلال السلطات الثلاثة (التشريعية والتنفيذية والقضائية)، وهنا برزت عدة أراء بين من اعتبر المجتمع المدني سلطة رابعة أو قطاع ثالث إلى جانب القطاع الحكومي والقطاع الخاص، ويعد ” أنطونيو غرامشي Gramsci Antonio ” أبرز المفكرين المحدثين الذين بلوروا فكرة المجتمع المدني في ظل الصراع الاجتماعي الذي نشأ بين الطبقات الاجتماعية بعد قيام الرأسمالية وبروز التوحش الرأسمالي.
إن رأي (غرامشي) اكتسب أهمية خاصة لكونه واحد من المفكرين الشيوعيين في أوربا وهو مناضل قتل في سجون “موسوليني Mussolini” وهو المفكر الذي تمكن من تحديد موقع المجتمع المدني بدقة فجعله بين الدولة والفرد، وبذلك فصل (غرامشي) بين المجتمع المدني والمجتمع السياسي
استقر المفهوم والتطبيق لمصطلح المجتمع المدني بانتصار الرأسمالية واستسلام الشيوعية وظهور اليسار الجديد الذي أقر بالهزيمة وتبنى الرأي السائد بجعل المجتمع المدني تشكيلات تحت سلطة الدولة فهي توغل في اصدار القوانين لتسييرها كما تريد، بل إن الدول تنبهت لأهمية المجتمع المدني فاتجهت لتأسيس تجمعات داعمة لها وعرفت هذه التجمعات بمصطلح “الغونغو” وهو مختصر Government-OperatedNon-Governmental Organization.
وما هي اسهامات الفر العربي والإسلامي في هذا المجال؟
لقد أوردنا في بداية هذا المبحث الرأي القائل بأن مصطلح المجتمع المدني هو نتاج الحضارة الغربية، لكن هناك من يرى أن التجربة الإسلامية أسهمت في إثراء مفهوم المجتمع المدني وليس أدل على ذلك من تأسيس دور الأوقاف والمدارس والحوزات والمكتبات والجماعات الفكرية كإخوان الصفا وكلها كانت تجمعات خارج مفهوم الدولة وليست ضمن الأطر المجتمعية القديمة وكانت تتمتع بالاستقلال والحرية.
وقد تحدث القرآن الكريم عن المجتمع بألفاظ متعددة منها “الأمة” و “الناس” و “المؤمنين والمؤمنات” ومنه قوله تعالى “كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر”، وقد ربط النبي(ص) بين الدولة والمجتمع ربطاً قوياً حين بنى المسجد وجعله مقراً للحكومة والقضاء وديواناً للشكاوى كما أنه اتخذه مسكناً وأسكن أعضاء الشورى بالقرب منه حيث تفتح الأبواب لتتصل بالمسجد، وكل ذلك يوحي بأن القرآن والأحاديث جعلت من الدولة والمجتمع شيئاً واحداً، ولتأكيد على هذا الربط جاءت الآيات المؤكدة على وحدة المجتمع ونبذ الفرقة، ووردت آيات صريحة في النهي عن التحزب، لذا فإن ما نلاحظه أن الإسلام لم يطرح فكرة المجتمع المدني، لكن في المقابل نشأت مؤسسات تمثل قيام مجتمع مدني بشكل من الأشكال بعد عصر الإسلام ربما بسبب التجربة الواقعية والاحتكاك والتطور الحضاري فقد ظهرت الأوقاف والمدارس المستقلة عن الدولة والجماعات كجماعة إخوان الصفا.
واجه المفكرون المسلمون إشكالية طرح المجتمع المدني، فمثلاً يرى راشد الغنوشي” إن الدولة أداة من أدوات الجماعة أي المجتمع”، فهي ليست جزءاً منفصلاً عنه وإنما السلطة نيابة تفوض بموجبها الجماعة فرداً أو مجموعة من الأفراد لتسيير شئونها، وبهذا الرأي كنموذج يمكن أن نحدد أن التوجه الإسلامي لا يقر بوجود مجتمع مدني منفصل عن الدولة، فالدولة أو الحكومة ما هي إلا جزء من المجتمع تم تفويضها بتدبير مصالح الناس.
ولتأكيد هذا الرأي سنأخذ مثالين آخرين: الأول من رجل دين معاصر من البحرين حيث يقول: إن القرآن الكريم تحدث عن معالم المجتمع الإسلامي ولم يتحدث عن المجتمع المدني، وأول معالم هذا المجتمع هو حاكمية الله ودينه وليس الإنسان، أما المجتمعات الوضعية التي تقوم على أساس المجتمع المدني الذي تحكمه قوانين وضعية ماهي إلا صنيعة فكر إنساني قاصر “، إن هذا الرأي ينفي قطعياً فكرة المجتمع المدني باعتبارها فكرة تتبنى حاكمية المجتمع والقوانين وتعارض حاكمية الله والدين، على أساس أن هذا الفهم هو ما وصل إليه الفكر الغربي عبر مراحل تاريخية متعددة من الحضارة اليونانية وحتى العصر الحاضر.
وفق هذا المدخل يمكننا الحديث عن مصطلح المجتمع المدني الإسلامي وهو مؤسس على الآية القرآنية الكريمة (المُؤْمِنُونَ وَالمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ)، فالآية الكريمة تتحدث عن المجتمع المكون من المؤمنين والمؤمنات، وترى بأنهم أولياء بعضهم في إشارة لمبدأ التكافل الاجتماعي وتكمل الآية بالقول (يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ۚ أُولَٰئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ ۗ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)، وهو حديث عن صفات المجتمع الإسلامي وتفسير لمعنى التكافل فأعضاء المجتمع يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة، وكلها أدوار اجتماعية واقتصادية وثقافية تؤسس لفعالية اجتماعية حقيقية وليس كما يقول البعض بأن الإسلام نقيض المجتمع المدني، ويرى السيد مرتضى الشيرازي أن المجتمع المدني الإسلامي يمثل المؤسسات التي يشكلها المجتمع لخلق التوزان بين الدولة والمجتمع، ويرى الباحث أن وصف العلاقة بين الدولة والمجتمع في ضوء الآية الكريمة بالتوازن غير دقيق فبرأيي أن الآية تضع شكلاً آخر للعلاقة وهو علاقة “المناصرة والدعم” للحكومة التي هي جزء من الأمة، فهذه الرؤية هي ما تتسق مع أغلب التفاسير للآية الكريمة السابقة والتي تعتبر “المؤمنون والمؤمنات هم الْمُصَدِّقُونَ بِاَللَّهِ وَرَسُوله وَآيَات كِتَابه، فَإِنَّ صِفَتهمْ أَنَّ بَعْضهمْ أَنْصَار بَعْض وَأَعْوَانهمْ” أي أن القرآن يعتبر المجتمع نصيراً للحكومة وداعماً لها من خلال الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ودفع الصدقة أي المساهمة في الاقتصاد.
ولكن وبشكل عام يمكن أن نستنتج إن هذه الأبعاد أخذت الشكل النظري ولم يتم تطبيقها إلا بشكل محدود في بعض الحقب التاريخية وقد زاد من طمس مفهوم المجتمع المدني توجه رجال الدين والمفكرين المسلمين للتركيز على الجانب العقائدي واهمال الجوانب الاجتماعية والاقتصادية التي وضع معالمها القرآن وترجم أسسها النبي “ص” في حكومته بشكل عام لكن المسلمين أهملوا تطويرها.
من الطبيعي أن هناك فاصل تطبيقي لتطور المجتمع المدني في العالم العربي، كيف تفهم ذلك؟
لم يشهد الوطن العربي ظهور مؤسسات تمثل المجتمع المدني وفق المفهوم الحديث إلا أواخر القرن التاسع عشر، عندما ظهرت نقابات لتمثيل الحرفيين والصيادين وبعض الجماعات الفكرية، وتعدُّ الأحزاب والجمعيات التعاونية أول أشكال المجتمع المدني ظهوراً فقد شهدت فلسطين ظهور أوائل المنظمات العربية، وكذلك في الأردن حيث ظهرت في 1912، أما في مصر فكانت البداية في عام 1921، وفي العراق في عام 1933، ، ثم في تونس عام 1936، و ظهرت الجمعيات والنوادي في دول الخليج في مرحلة متأخرة نوعاً ما في شكل نوادي وجمعيات ثقافية واجتماعية، ويمكن أن نعزي تأخر تأسيس جمعيات ذات طابع سياسي لطبيعة التركيبة القبلية لهذه البلدان، مع العلم أن بداية ظهور مؤسسات المجتمع المدني كانت في صورة النوادي الثقافية كانت مبكرة نسبياً، ففي البحرين تأسس أول نادي في 1911 والكويت في 1923، و شهد العالم العربي ثورة حقيقية في إنشاء و تشكيل الجمعيات والنوادي الثقافية وغيرها من المؤسسات المجتمعية في أواسط القرن العشرين، و يعود السبب في ذلك إلى حالة الانفتاح الفكري والثقافي التي بدأت تغزو العالم العربي كنتيجة للتجاذبات الأيديولوجية والصراعات الفكرية التي شهدتها المنطقة.
ويعد المغرب من أكثر الدول العربية نشاطاً وحيوية لمنظمات المجتمع المدني فقد بلغ عدد المنظمات بحسب إحصاء وزارة الداخلية المغربية 116.863 جمعية أو جماعة، 1% من هذا العدد ينشط في السياسة فيما ينشط الباقي في أعمال المجتمع والثقافة والفنون ودعم العمال والمرأة وغير ذلك، ويرجح أن يكون العدد قد بلغ 130 ألف جماعة في العام 2017، وصدر أول قانون لتنظيم الجمعيات عام1914 ثم عام 1958 وعدل عام 1976 ثم عام 2009، ورغم أن القانون ينص على التصريح بتأسيس الجمعيات ولا يكتفي بالإخطار إلا أن طبيعة المجتمع المغربي أسهمت في نمو مؤسسات المجتمع المدني في المدن والأرياف وعلى صعيد جميع المهن والقضايا الاجتماعية، ولنتعرف على الحجم الحقيقي النشط من منظمات المجتمع المدني في المغرب من العدد الكبير الذي يرد في الإحصائيات، فقد شارك في الحوار الوطني المختص بالمنظمات الأهلية الذي تم تنظيمه عام 2011 م 4000 جمعية أو جماعة منظمة ويكشف هذا الرقم حيوية كبيرة لمنظمات المجتمع المدني.
وتنتظم مؤسسات المجتمع المدني بشكل هرمي مشابه لنظام المجتمع المدني الغربي، من خلال شبكة من الاتحادات والشبكات التي تضم جمعيات ونقابات وجماعات صغيرة متفرعة.
وبلغ عدد المنظمات المسجلة في مصر 16 ألف منظمة، ويمتاز المجتمع المدني المصري بتنوعه وبنشاط مراكز الأبحاث والجمعيات المناصرة لقضايا المرأة، ولكن المجتمع المدني المصري واجه حالة الطوارئ التي أعلنت عام 1981 وتم تجديدها لعقدين تقريباً، حيث يحد هذا القانون من أنشطة هذه المنظمات، ويعد صدور قانون الجمعيات عام 2002 سبباً في إشكالية كبيرة، فقد رفض بموجب القانون تسجيل عدد من الجمعيات الناشطة منذ فترة طويلة، وأعطى القانون صلاحية حلّ الجمعيات إذا ارتكبت أي مخالفة لوزارة الشئون الاجتماعية بدلاً من القضاء، ويحضر القانون على المنظمات أي نشاط سياسي إلا الجمعيات المسجلة كأحزاب سياسية.
وتعتبر الجمهورية اللبنانية الأكثر حرية ومرونة في مجال تأسيس المنظمات المحلية والإقليمية والدولية، فقد صدر قانون الجمعيات فيها عام 1909 وهو ينص على كفاية الإخطار بتأسيس الجمعية وهيكليتها لتصبح جمعية مصرح لها بالعمل في البلاد وفق القانون، و بلغ عدد الجمعيات في لبنان 1100 جمعية، ويمتاز المجتمع المدني في لبنان باحتضانه لعدد من الشبكات العربية التي تضم عشرات الجمعيات من بينها: ملتقى الهيئات غير الحكومية الإنسانية، وتجمع المنظمات غير الحكومية التطوعية، وشبكة منظمات المجتمع المدني العربية للتنمية ANDD وهي شبكة إقليمية تأسست عام 1996 وتضم 45 منظمة في 12 دولة عربية.
أما تونس فتمثل تجربة فريدة للمجتمع المدني، فقد تطورت بنية هذا المجتمع بشكل سريع وتجلى ذلك في الدور الذي لعبه الاتحاد الوطني التونسي للشغل بتصديه للأحداث السياسية الأخيرة في البلاد والتي اندلعت أبان ما عرف بالربيع العربي، وتوجت تلك المشاركة بحصول الاتحاد الوطني التونسي للشغل على جائزة نوبل للسلام نظير مواقفه الداعمة للتحركات الشعبية المطالبة بالتحول الديمقراطي، وبلغ عدد الجمعيات في تونس 1006 جمعية، ورغم أن المؤسسات المجتمعية تأسست بشكل مبكر نسبياً في تونس إلا أنها خضعت لوصاية الحزب الحاكم، وكانت أول الجمعيات تأسيساً الاتحاد العام التونسي للشغل، ونقابة أرباب العمل (UTICA) والاتحاد الوطني للفلاحين التونسيين (UNAT)، وقد خاضوا تجربة سياسية مبكرة بتشكيل جبهة وطنية خاضت الانتخابات التأسيسية في 1956والتشريعية في 1959، ويرجح أن هذه التجربة أسهمت في نضج الاتحاد الوطني للشغل ووصوله لمرحلة الاقتدار والمساهمة في أحداث التحول الديمقراطي.
ويعد الأردن من الدول العربية التي تتمتع بمناخ جيد لعمل المنظمات الأهلية وينظم عملها قانون صدر عام 1966 ويحضر القانون على هذه الجمعيات الاشتغال بالسياسة وقد بلغ عددها 245.
أما في دول الخليج العربي فقد نشأت منظمات المجتمع المدني بتاريخ متأخر عن بقية الدول العربية ويعود ذلك لطبيعة المجتمعات القبلية، ولكن الطفرة الاقتصادية والعولمة في الربع الأخير من القرن العشرين أسهمت في تأسيس العديد من المنظمات وتعد البحرين والكويت أبرز التجارب في هذا المجال حيث سنفرد لتجربة مملكة البحرين قسماً خاصاً كنموذج لدول الخليج.
وماذا عن المجتمع المدني في البحرين؟
قبل الحديث عن المجتمع المدني في البحرين لابد أن نلقي الضوء على الجانب التاريخي والجغرافي لهذه البلاد، فقد كان اسم البحرين يطلق على أجزاء من الكويت والمنطقة الشرقية من المملكة العربية السعودية وأجزاء من الإمارات العربية والمتحدة وقطر وأرخبيل البحرين الحالي، وعرفت هذه المنطقة حضارات متعاقبة فقبل 5000 آلاف عام نشأت حضارة دلمون وتحولت البحرين فيها لنقطة وصل تجارية بين الحضارة السومرية وحضارة السند، وعرفت في القرن الميلادي الأول بـ ” تايلوس”، وفي العصر الذي سبق الإسلام بـ ” أوال” وكان شعار هذه الدولة رأس ثور، ولا يزال البحرينيون يحتفظون بهذا الشعار كتراث في المتحف الوطني، ودخل أهل البحرين الإسلام دون قتال وكان ذلك في العام السابع الهجري وكان العلاء الحضرمي أول الولاة الإسلاميين على البحرين.
وبعد استيلاء العباسيين على الخلافة سنة750 م (132 هـ) جعلوا بلاد البحرين وعمان تحت ولاية اليمامة، حتى ظهرت حركة القرامطة التي استولت على شرق الجزيرة العربية سنة 899 م، وجعلت عاصمتها في الأحساء، وقد كانت جزر أوال أول الأقاليم التي انسلخت عن القرامطة، وذلك عندما استقل بها أبو البهلول العوام من بني عبد القيس سنة 1058 م وخطب للخليفة العباسي القائم بأمر الله في صلاة الجمعة، وحاول القرامطة استعادة الجزر سنة 1066م فصدّهم أبو البهلول عنها في معركة بحرية، وانقضّ عرب البحرين على القرامطة في الأحساء على إثر ذلك فسقطت دولتهم سنة 1076م على يد العيونيين مستعينين بالسلاجقة، وبسقوط القرامطة تناوب على حكم بلاد البحرين ببرّها وجزرها عدة سلالات عربية، حيث استولى عليها ابن عيّاش كما استولى على القطيف وأوال من أبي البهلول العوام، ثم بسط العيونيون حكمهم على كافة بلاد البحرين سنة 1076م، تلاهم بعد ذلك العصفوريون سنة 1252م، ثم الجروانيون سنة 1330م، وتخلل ذلك احتلال أتابك فارس التركي لجزر البحرين بين 1235 و1253م، وبعد عام 1330م صارت بلاد البحرين تدفع الجزية لحكام هرمز، وفي هذه الفترة ظهرت لأول مرة في المصادر التاريخية مدينة المنامة، عاصمة البحرين الحالية، واستمرت البحرين تحت هيمنة هرمز حتى أوائل القرن الخامس عشر حين قامت قبيلة الجبور البدوية من بني عقيل على الجروانيين واستولت على كافة أراضي بلاد البحرين.
انضمت البحرين للأمم المتحدة، واستقلت عام 1971 وكان أول أمير لها بعد الاستقلال هو الأمير الراحل الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة.
والبحرين هي أرخبيل مكون من 33 جزيرة وعدد من الجزر الصناعية التي تم دفنها في السنوات الأخيرة وتشكل البحرين نقطة التقاء بين الشرق والغرب، وبفضل موقعها الجغرافي تحولت إلى مركز مالي عالمي، فهي مفترق طرق يمتد 4000 سنة ومركز جذب استثماري لكل الشركات العالمية.
تعتبر البحرين من أكثر دول الخليج تطوراً على الصعيد السياسي فقد شهدت أول انتخابات برلمانية مباشرة عام 1973، حيث انتخب شعب البحرين مجلساً وطنياً كتب الدستور، وعلى أساسه أجريت أول انتخابات في البلاد وتشكل أول برلمان منتخب في الخليج، لكن الخلاف بين البرلمان والحكومة أدى إلى حل البرلمان عام 1975، ودخلت البلاد تحت قانون أمن الدولة حتى عام 1999، حيث تولى الحكم الملك الحالي حمد بن عيسى آل خليفة بعد وفاة والده الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة، وبعهده شهدت البلاد تحولات سياسية، بعد التصويت على ميثاق العمل الوطني بنسبة 98.8%، وأبرز هذه التحولات تغيير شكل ومسمى الدولة من دولة أو إمارة إلى مملكة دستورية وذلك في عام 2002، واعتمد الدستور المعدل بنفس العام، والذي يضم تعديلات كثيرة أبرزها التحول إلى النظام النيابي المكون من غرفتين الأولى منتخبة وتضم 40 نائباً، و الثانية معينة وتضم 40 عضواً من ذوي الخبرة والاختصاص يعينهم الملك، كما يضم النظام السياسي أربعة مجالس بلدية وأمانة للعاصمة، وخمس محافظات، أربعة من المجالس البلدية يتم انتخابهم بشكل مباشر من قبل الشعب فيما يعين الملك أعضاء أمانة العاصمة.
في ظل هذه التغييرات السياسية تمر البحرين بتغيرات على الصعيد السكاني، فقد كشف الجهاز المركزي للمعلومات وهو الجهاز المختص بالإحصائيات في البحرين أن التعداد السكاني في البحرين للعام 2017 بلغ 1.450.0 نسمة، فيما يتوقع أن يصل التعداد السكاني نحو 1.696.6 في 2022، وقد بلغ تعداد السكان لعام 2016، 1.423.726 نسمة منهم 664.707 بحريني و759.019 غير بحريني.
وارتفعت نسبة البحرينيين في 2016 عن العام الذي سبقه بنحو 31.287، حيث بلغ في 2015 نحو 633.420 من إجمالي التعداد السكاني والذي بلغ 1.377.000 نسمة، حيث بينت الإحصائيات أن العدد توزع فبلغت نسبة البحرينيين 46% و4.7% عرب، في حين أن %45.5 من جنوب آسيا، 1.6% من إفريقيا، 1% أوروبا و1.2% مغتربين.
وتوقع الجهاز المركزي للمعلومات أن تصل الكثافة السكانية إلى مليوني نسمة في 2028، حيث سيبلغ حجم الكثافة السكانية 2.021.8 نسمة، فيما توقع أن يصل تعداد السكان في 2032 إلى 2.257.0 نسمة.
كان أول تلك النوادي تأسيساً نادي إقبال أوال عام 1913، وترجع فكرة إنشاء نادي إقبال أوال لمجموعة من شباب العاصمة المنامة عندما قرروا تأسيس مكتبة عامة تكون بديلاً لمكتبة الإرسالية التبشيرية التابعة للإرسالية الأمريكية، وبعد أن زاد عدد أعضاء المكتبة تمَّ تحويلها إلى نادي أطلق عليه نادي إقبال أوال، ولم تكن الأندية في تلك الفترة مقبولة من رجال الدين فأخذوا ينظمون حملة لمعارضة نشاط أعضاء النادي، وانتهى الأمر إلى غلق النادي بأمر الشيخ قاسم المهزع قاضي الشرع حينذاك في نفس العام، لكن سرعان ما بدأت تجربة جديدة حيث تم تأسيس النادي الإسلامي بنفس العام 1913، وجاء تأسيس النادي الإسلامي ردّاً على الحركة التبشيرية في البحرين، فقد دعا بعض التجار إلى تأسيس النادي الإسلامي وجعلوا مقرّه بيتاً بالناحية الغربية من حي الفاضل بالمنامة، وكان النادي في بداية تأسيسه عبارة عن صفين دراسيين لتدريس العلوم الدينية وبعض العلوم الحديثة، كما توفرت بالنادي غرفة مطالعة ومكتبة ويعتقد أن هذه البدايات كانت ردأ على النشاط التبشيري، وذلك يعني أن جذور النشاط وطنية سياسية، ومن الواضح إن هذه النوادي كانت أشبه بالمدارس الصغيرة.
وفي 1920 تأسس النادي الأدبي في جزيرة المحرق وكان لتأسيسه أبعاد قومية عربية حيث ساهم في تأسيسه بعض رجالات الفكر والأدب من بلدان عربية مختلفة أمثال الشاعر السوري محمد الفراتي، والشاعر العراقي محمد صالح بحر العلوم، والشاعر الكويتي خالد الفرج، ومن النشاطات الثقافية البارزة التي قام بها النادي الأدبي اشتراكه في المهرجان الأدبي الذي أقيم في عام 1927م بمناسبة مبايعة أحمد شوقي أميراً للشعراء وقد أغلق النادي عام 1936.
وتأسس المنتدى الإسلامي 1928 بالمنامة وظل يعمل حتى عام 1936 وكان يهدف إلى رفع المستوى الديني والأدبي والأخلاقي بين أعضائه، وقد أقام الاحتفالات الدينية وأدَّى اهتماماً بنشاط الحركة الأدبية والثقافية في البلاد وقد توقف بسبب تحوله لمنتدى سياسي.
وفي الثلاثينيات من القرن الماضي نشطت حركة تأسيس الأندية فقد برزت ثلاثة أندية كبيرة هي: نادي البحرين الذي تأسس عام 1937 واهتمَّ بالنواحي الرياضية والثقافية، كما اهتمَّ بالأمور السياسية في فترة الخمسينيات، وفي عام 1939 تأسس نادي العروبة، وكانت أهدافه عربية قومية، يسعى للاهتمام بالثقافة والفكر والأدب ويعمل على تنمية الوحدة الوطنية وبثّ الوعي الاجتماعي والقومي في صفوف أعضائه، أمَّا النادي الثالث فهو النادي الأهلي وتأسس عام 1939 وقد اشتهر بتقديمه العديد من المسرحيات وخاصة في سنوات الأربعينيات، كما اهتمَّ بأمور الأدب والثقافة فأقام المحاضرات الأندية في الأربعينيات.
أما في الأربعينيات فقد تأسس ناديان الأول نادي الإصلاح في عام 1941م وعرف بنادي الطلبة الخليفي، وبعد مرور ست سنوات تحوّل اسم النادي إلى نادي الإصلاح واهتمَّ بنشر الثقافة الإسلامية، كما اهتمَّ بالأمور الأدبية والثقافية والمسرحية، وتأسس النادي الثاني الذي عرف بنادي النهضة في عام 1946م ويعرف حالياً بنادي الحد، وكانت أهدافه ثقافية ورياضية أيضاً.
وفي عقد الخمسينيات وحتى نهاية القرن العشرين انتشرت الأندية الثقافية والرياضية في جميع مدن وقرى البحرين وبات عددها أكثر من خمسين نادياً ويأتي انتشار الأندية في القرى بشكل مكثف في الستينيات والسبعينيات نتيجة زيادة عدد المتعلمين وبروز طبقة مثقفة في معظم قرى البحرين ممثلة في المعلمين.
كما بدأت التحركات لتأسيس منظمات مجتمعية خاصة بالنساء في الخمسينيات وتحديداً عام 1955، وذلك حينما تحركت مجموعة من الرائدات لتأسيس جمعية نهضة فتاة البحرين وهي أول جمعية نسائية يتم تأسيسها في البحرين، بل هي أول جمعية نسائية يتم إشهارها في الخليج والجزيرة العربية، وكان للدور الذي لعبته عائشة يتيم أثره الفعال في تأسيس الجمعية، حيث عقد أول لقاء لتأسيس الجمعية في منزلها في شهر أكتوبر/ تشرين الأول من العام 1955 والذي يعد البداية الأولى لتأسيس الجمعية.
ويعتقد أن تأسيس هذه الجمعية كان في عام 1952 على يد مجموعة من النساء حينما فكرن في إنشاء نادٍ للسيدات للعمل التطوعي الخيري، وكانت صاحبة الفكرة الشيخة نجلاء بنت خالد آل خليفة، إذ كانت الشيخة نجلاء في زيارة إلى القاهرة مع أبنائها الذين كانوا يدرسون في مصر في ذلك الوقت، وشاهدت الشيخة نجلاء نادٍ للسيدات في مصر، فأعجبت بفكرة النادي وأحبت أن تنقل فكرة إنشاء نادٍ للسيدات إلى البحرين، وبالفعل كان الاجتماع التأسيسي للنادي في مدرسة خديجة الكبرى بالمحرق، إلا أن النادي لم يكتب له الاستمرار وتم غلقه في العام 1953.
منار السماك