ربما بما علي أن أستعيد شيئاً من الذاكرة التي لم تمت بعد، آنذاك كنت في الثالثة عشرة من العمر، وكانت مكتبة الأخوة الأشقاء الشرسين في القراءة، والنهمين ملأى بعناوين روائية، كلها تدور حول ذلك الجوع التعس. الذي يمر به الإنسان في لحظة ما من لحظات حياته البائسة، كعادة كثيرين من أولئك الذين يبحثون عن جواربهم المهترئة، أو المخرقة من كثرة الاستعمال فيقلبونها أحياناً، كي لا تظهر تلك الثقوب فتفصح الأقدام.
من بين تلك العناوين في هذه المكتبة العتيدة كان جذور أليكس هيليي وعقب جاك لندن الحديدية، والأم لمكسيم جوركي و"سيرة الجوع والصمت". التهمت هذه السيرة كلها قصة قصة، سيرة سيرة، ولم يكن يدر في خلدي، أنه خلف هذه الوريقات يختبئ كيان أدبي يصهل بوطنه البحربن في رئتيه. كبرت وأنا أتتبع هذه الأسرة الأدبية البحرينية، منزلاً منزلاً، وادياً وادياً، نصاً نصاً "وزنقة زنقة" امتلأت أدباً وشعراً ونثراً ونقداً، وما لم أتعلمه في رواق الجامعة، تعلمته خلف منصة أسرة الأدباء والكتاب أما مستمعاً مصغياً، أو قارئاً ناقداً، أو مديراً لأمسية من أمسياتها.
حتى اليوم الذي ناصفت فيه الأسرة أعوامها المائة القادمة بيوبيلها الذهبي، أشعر بالحميمية لهذا الكيان، لا بوصفه حاضرة أدبية فحسب، بل بوصفه ملتقى الأصدقاء، والكلمة التي من أجلها يحيا الإنسان.
بالتأكيد أن قصة هذه الأسرة الأدبية البحرينية، ليست قصيرة جداً، بل هي نص مفتوح لم يكتمل بعد، والتجارب الإبداعية لا تزال ولادة فيه، ومتسلسلة.
تمنياتي لهذا الكيان خمسين سنة أخرى من العمر الأدبي والثقافي، في وطن لا يرصدك فيه القراء فحسب، بل يشهد عليك فيه طريق اللؤلؤ ونهمة البحارة، وحزاوي الفرجان، فأبق حبرك سائلاً، فالقصيدة لا تزال في أول بيتها.
زكريا رضي.