أكد شعراء البحرين على تميز الحراك الشعري بالثراء والتنوع ومواكبة المدارس والتيارات الحداثية، وبينوا أن الشعر ظاهرة تتسم بالتطور والحيوية المستمرة إلى جانب الترابط بين الأجيال فالتحديات الموجودة هي تحديات أمام المبدعين عامة لا تحديات أمام الشعر نفسه.
ونوه الشعراء في تصريحات خاصة بمناسبة يوم الشعر العالمي الذي يصادف ٢١ من شهر مارس، باهتمام حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المفدى حفظه الله ورعاه بالحركة الثقافية الأدبية والشعرية، فدعم الشعر والشعراء كان ولا يزال مستمرا على مد الحضارة، منذ ملحمة جلجامش التي سطرت أجمل الصور عن أرض دلمون.
وقال الدكتور راشد نجم الأمين العام لأسرة الأدباء والكتاب أن مناسبة اليوم العالمي للشعر الذي بدأ الاحتفال به أول مرة عام 1999 ومازال مستمراً، يعتبر من أجمل المناسبات التي تمنح اللغة -بمصطلحها العام بصرف النظر عن نوعها- هويتها الثقافية، فلكل شعب لغته وهويته، ولكن الشعر يخاطب القيم الانسانية التي تتقاسمها كل الشعوب وهو همس القلوب المحبة للخير والسلام وسفير الحوار الإنساني بين الشعراء.
وقال الدكتور نجم إن أسرة الأدباء والكتاب تحتفل كل عام بهذه المناسبة حيث يتم تنظيم الأمسيات الشعرية واللقاءات الأدبية وخلق تفاعل ايجابي بين الشعراء والرموز المعروفين محلياً وعربياً والشعراء الشباب الذين يتلمسون خطاهم في دروب الشعر من مختلف الأجيال. ولكن هذه السنة – للأسف الشديد – منعت الظروف التي تمر بها البحرين ودول العالم بسبب جائحة كورونا من الاحتفال بشكل مباشر، واقتصر ذلك على المنصات الافتراضية كبديل مؤقت حتى تزول هذه الجائحة بإذن الله.
وأضاف : "ينقسم احتفالنا هذا العام الى قسمين، القسم الأول هو فعاليات مشتركة بين أسرة الأدباء والكتاب والجامعة الأهلية يومي الأحد والأثنين 21 و 22 مارس (في الفترة الصباحية) عبر منصة الجامعة الافتراضية كنوع من الشراكة المجتمعية بين الأسرة كجمعية تضم أدباء وكتاب البحرين، والجامعة الأهلية كمؤسسة أكاديمية تعنى بتدريس اللغة العربية وآدابها، وفيها تتفتح بواكير الإبداع الشعري لدى طلبتها. أما القسم الثاني فهو احتفال أسرة الأدباء والكتاب مساء الأحد 21 مارس عبر منصتها الافتراضية بأمسية شعرية للشعراء الشباب لإفساح المناسبة أمامهم لتقديم تجاربهم الشعرية".
وتحدث الدكتور نجم عن تميز الحراك الشعري في البحرين بالثراء والتنوع ومواكبة المدارس والتيارات الحداثية في مجال الشعر، بالإضافة الى الشعراء الكبار الذين تحتفظ لهم البحرين بذاكرة الريادة أمثال إبراهيم العريض، عبدالرحمن المعاودة، عبدالله الزايد، أحمد محمد آل خليفة رحمهم الله وغيرهم من شعراء ذلك الجيل، فهناك جيل آخر من الشعراء رافق تجربة هؤلاء الشعراء الكبار وتأثر بهم ولكنه تفرد بتجربته الشعرية الخاصة به والتي اتسم بها متأثراً بالمدارس الشعرية الحديثة غير التقليدية التي سار عليها الجيل الذي سبقه.
وأضاف أن هذا الجيل بدأ من الشعراء في نشر تجاربهم في الصحافة المحلية والعربية منذ منتصف الستينيات وهو الجيل الذي ساهم بعضه في تأسيس أسرة الأدباء والكتاب أو رافق البعض الآخر منهم بمرحلة بداياتها حتى الآن نذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر الشعراء علي عبدالله خليفة، قاسم حداد، عبدالرحمن رفيع، د. علوي الهاشمي، علي الشرقاوي، حمدة خميس، ابراهيم بوهندي، عبدالحميد القائد وغيرهم، وهو جيل تميز بالأصالة والتفرد في نفس الوقت، حيث تخطت تجارب بعضهم حدود البحرين الى الوطن العربي وبعض دول العالم حيث ترجمت العديد من أعمالهم الشعرية الى اللغات العالمية المعروفة كالإنجليزية والفرنسية والإيطالية والروسية وغيرها، كما أعدت عن أعمالهم الكثير من البحوث الأدبية الرصينة والدراسات الأكاديمية لنيل الشهادات العليا كالماجستير والدكتوراه داخل البحرين وخارجها. كما برزت حالياً العديد من الأصوات الشعرية الشابة من الجنسين والتي نتنبأ لها بمستقبل مشرق إذا ما واصلت محاولات التطوير والتجديد.
وأشار إلى أن أي واقع أدبي يواجه العديد من التحديات التي تتطلب منه معالجتها حسب مقتضى ما تفرضه هذه التحديات، فالشعر يعيش حالياً فترة منافسة بينه وبين الرواية والفنون الأدبية الأخرى التي بدأت تحتل مساحة تزداد اتساعاً مع الوقت من ذائقة واهتمام الناس، حيث ساهمت وسائل التواصل الاجتماعي والمنصات الإلكترونية والنشر المتلاحق من قبل دور النشر التي وجدت فيها مادة قابلة للتسويق والربح السريع في سرعة انتشارها، ولكن في النهاية هذه هي مسيرة الحياة إذ يتصدر المقدمة نوع من الأدب يفرض سيطرته فترة من الزمن، ويأتي بعد فترة نوع آخر لينافس على هذه المقدمة وهكذا هي ديمومة الابداع.
وختم قائلا : "في النهاية هو الشعر.. هذا النهر المتدفق من المشاعر الذي يدخل القلوب سريعاً بمجرد سماعه، والذي لا تستطيع الفنون الأدبية الأخرى منافسته، فهو الفن الذي تعشقه الجماهير العربية وتتأثر به وبمفرداته وصوره الشعرية وقدرته على التأثير فتلتهب الأكف تصفيقاً لمبدعيه، وتتغنى الحناجر طرباً لقوافيه.. فكل عام والشعر والشعراء في كل مكان في العالم بخير".
وفي قراءة للحركة الشعرية، أوضح الأستاذ الدكتور علوي الهاشمي أن الشعر ظاهرة تتميز بالتطور والحيوية المستمرة، والترابط بين الاجيال، إلى جانب الاستفادة من التراث الشعبي، وبين د. العلوي وجود تحديات أمام المبدع لا الشعر، وهذه التحديات تتعلق باللغة الشعرية والتطور، والحداثة المستمرة، فالشاعر اليوم يجب أن يكون متجددا لا متجمدا خاصة وأن الابداع مستمرا عبر التواصل والتفاعل بلا توقف، فالتطور قدر المبدع في البحرين.
وقال الدكتور الهاشمي أن الشاعر قاسم حداد يعتبر تجربة متفردة وأصيلة، إذ درست وناقشت شعره دراسات عليا كثيرة، وأقيمت ندوات عديدة لبحث ومناقشة شعره، لذلك تعتبر أشعار قاسم حداد من أحدث ما وصلت إليه اللغة الشعرية في مملكة البحرين والوطن العربي وهي لغة موصولة بالتراث الشعري أيضا.
وأكد الدكتور الهاشمي اهتمام حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المفدى واهتمام سمو الشيخ ناصر بن حمد آل خليفة، الذي يمثل دعما كبيرا للشعر والشعراء إلى جانب تقبل الناس وذائقتهم وارتباطهم بالشعر، وقال الدكتور العلوي من لا يعرف البحرين عن كثب لا يعرف حجم الإبداع فيها، فالأربعون سنة الماضية كانت تمثل مرحلة انتشار رغم ريادة البحرين في وصول الأشياء إليها مقارنة بباقي المناطق، فقد شهدت تحولات النهضة، وكانت تلتقط التطورات والمتغيرات العالمية بسرعة من جغرافيتها المميزة.
وحول مناسبة يوم الشعر العالمي، بين الدكتور الهاشمي أنه على مستوى المؤسسة كنا نتواصل دائما مع العالم في موضوع الشعر عبر هذا اليوم، وندعو الشعراء من الوطن العربي وخارجه، ونقيم لهم الأمسيات ونشاركهم فيها، فالحدث يجمع الشعراء من كل مكان ليعبروا عن همهم وتصوراتهم وتجربتهم الشعرية، ونستفيد من هذا التلاقح.
وأكد د. العلوي أن الحركة الشعرية في مملكة البحرين تتسم بالحيوية والترابط بين الأجيال، إذ لا يلغي جيل جديد الجيل الذي قبله.
من جانبه، تقدم الشاعر الدكتور فواز الشروقي بالتهنئة لجميع الشعراء بهذه المناسبة، وترحم على من غادرنا منهم، وقال: "يظل عطاء شعراء هذا العصر لكي يزيدوا على العالم جمالاً وألقاً، فالشعر احتفاء بالحياة، ومن يحتفي بالحياة يستحق حياة مضاعفة. وأتمنى من الشعراء البحرينيين الحقيقيين أن يثبتوا للعالم أننا نملك إرثاً شعرياً عظيماً، وإبداعاً غير متناهٍ".
وعن تقييمه للحركة الشعرية قال الدكتور الشروقي: "كتب الله لنا نحن البحرينيين أن يكون لنا إرث شعري عظيم. وإذا نظرنا إلى التاريخ الثقافي للبحرين، سنجد مجموعة من الشعراء الكبار الذين كانوا إعلاماً محلية وخليجية وعربية، ومنهم الشيخ محمد بن عيسى آل خليفة وعبد الرحمن المعاودة وإبراهيم العريض وغازي القصيبي وعبد الرحمن رفيع وسليم عبد الرؤوف وقاسم حداد. لذلك أرى أن البحرين ولادة للشعراء وما زالت الحركة الشعرية لدينا بخير".
وفي ما يتعلق بالواقع الشعري اليوم قال الدكتور الشروقي: "اعتقدنا أن قصيدة التفعيلة ستلغي القصيدة العمودية، وأن قصيدة النثر ستلغي التفعيلة، وأن شعر الحداثة سيلغي شعر الرومانسية وأن شعر المناسبات سيموت، ولكن كل ذلك لم يحدث. الذي حدث أن كل هذه الأنواع قد بقيت متجاورة، وكل واحد منها لها جمهورها وحضورها وتميزه".
واعتبر أن التحدي الحالي للشعر في البحرين على وجه الخصوص هو النشر.. فالشعر البحريني ليس منتشراً بسبب غياب دور النشر المشاركة في المعارض الخارجية والتي تقوم بدور التسويق للشعر والأدب البحريني بشكل عام.
ومن جانبها قالت الشاعرة نوف نبيل بمناسبة يوم الشعر :"أود أن يفتح الجميع قلوبهم للقصيدة، لا تلك المكتوبة فقط، بل للقصائد العديدة التي تحدث حولهم. وللطريقة التي ينساب عبرها الشعر بداخل حياتنا ويمتزج معها، للغة الجميلة التي لا تسمعها بل تراها وتشعر بها."
وترى الشاعرة نوف أنه لا توجد معايير للشعر سوى الشعر نفسه، فالبحرين زاخرة بالإبداع وفيها من الشعر بحرٌ واسع يبحر فيه الشعراء كلٌ بما يتناسب وأدواته ورؤيته لماهية القصيدة، ودعونا لا نقيّم بل نترك الشعر ينساب ويغمرنا .
وعن ما يحتاجه الشعراء اليوم قالت الشاعرة نوف:"ربما نحتاج أن نكون منفتحين على كل التجارب، وأن نرحب بالقصيدة كيفما كانت وأن نزرع الشعر في كل مكان يمكننا أن نصل إليه ليبقى حين نرحل ويخبر القادمين عنا".