في أمسية مشغولة بالوفاء أدارها بجمال واقتدار الشاعر الشاب عضو مجلس إدارة أسرة الأدباء والكتاب صالح يوسف، وحضرها لفيف من أصدقاء وزملاء وعائلة المحتفى به، احتفت أسرة الأدباء والكتاب بشغف وحميمية تليق بنجمها، بالشاعر الجميل إبراهيم بو هندي وسيرة الكلمة والإنسان في تجربته الممتدة على مدى أكثر من نصف قرن هو عمر التجارب المؤسسة لاتجاهات الشعر الحديث في البحرين في الفصحى والعامية.
وقد استُهلت الأمسية التي أقيمت مساء يوم الأحد الموافق 5 نوفمبر 2023 بمقر الأسرة بعد التعريف الجميل الذي سكهُ مدير الأمسية الشاعر صالح يوسف حيث وصفه بسيرة مبدع تنقل بين الأرقام والحروف وصاغ معانيه من أجل الإنسان في إشارة ضمنية لمهنة الشاعر أساسا كمصرفي عريق، استُهلت بكلمة وفاء واعتزاز قدمها ممثلا لأسرة الأدباء والكتاب رئيسها الدكتور الشاعر راشد نجم واصفا الأمسية بأنها لحظة استثنائية تحتفي فيها الأسرة بشخصية استثنائية لها بصماتها المؤثرة والواضحة في مسيرة الأسرة.
وأثنى د. راشد نجم فيها على إبراهيم بو هندي شاعرا وإداريا تحمل عبء إدارة أسرة الأدباء والكتاب في ظل ظروف وتحولات صعبة، ولكن الأهم بالنسبة إلى الدكتور راشد نجم أنه كان احتفاء بصديق حميم جدا بدأت علاقته به مع تأسيس مسرح أوال في مطلع السبعينيات وحيث قدم مسرح أوال مسرحية (إذا ما طاعك الزمان) من تأليف الشاعر إبراهيم بو هندي وهي باللغة العامية ما جعل تقديمها تحديا كبيرا أمام الحركة المسرحية آنذاك.
وقال د. راشد نجم إن علاقته بالشاعر تعززت كثيرا بالعمل معه في إدارة أسرة الأدباء والكتاب حيث يُعد أبو هندي من الذين عملوا أطول فترة ممكنة في رئاسة الأسرة. وحتى بعد مغادرة مجلس الإدارة ظل بو هندي – يواصل د. راشد نجم – رافدا بالدعم الفعلي وأيضا المعنوي بالمشورة والتوجيه المستمد من حكمة العمل وخبرة التجربة الإدارية لمجلس إدارة الأسرة التي يرأسها د. راشد نجم الآن. وقبل أن يتمنى للشاعر المحتفى به عمرا مديدا حافلا بالعطاء والإبداع قال د. راشد نجم، لن تكون هذه الأمسية إلا البداية لسلسلة من أيام الوفاء التي سنحتفي فيها برواد العمل الأدبي في البحرين وأسرة الأدباء والكتاب.
وكانت الفقرة الثانية فيلما قصيرا عن المحتفى به أعده مسؤول العلاقات العامة في أسرة الأدباء والكتاب الشاعر صالح يوسف حيث استعرض الفيلم عناوين مؤلفات الشاعر وهي: أحلام نجمة الغبشة 1975، أشهد أني أحب 1987، الوطيسة.. ملحمة شعرية 1994، غزل الطريدة 1994، قيام السيد الذبيح 2006، وثلاث مسرحيات شعرية هي: إذا ما طاعك الزمان، سرور، هل يجف القلب. وأشار الشاعر بو هندي في الفيلم إلى أن لفريج الفاضل، كفضاء مكاني، أثرا مميزا في صياغة تجربته منذ البداية حيث كان حي فريج الفاضل في المنامة حاضنة لعديد من التجارب الإبداعية في الشعر والسرد والفن وذكر على الأخص الشاعر الكبير حسن كمال والشاعر الراحل سلمان الحايكي وغيرهم من المبدعين.
وتلا ذلك إطلالة نقدية موجزة هي جزء من ورقة أكبر تناول فيها الناقد د. عبد القادر المرزوقي نص قصيدة (قيام السيد الذبيح) للشاعر في ديوانه الذي يحمل نفس الاسم والصادر عام 2006.. وقال د. عبد القادر المرزوقي إن العلاقات بين المفردات لا المفردات ذاتها هي ما يصنع الدهشة في النص الشعري الجديد والتي تحتاج تلقيا مختلفا يستوعب مقاربة للمعنى مغايرة للمألوف.
وقال د. عبد القادر المرزوقي إن أول ما يستدعيه عنوان القصيدة (قيام السيد الذبيح) والذي هو أيضا عنوان الديوان هي عبارة (قيام السيد المسيح) في الميثولوجيا بوصف المسيح عليه السلام يمثل في الفهم الديني رمزا لمقاومة الشر والفساد.
وقال الناقد المرزوقي إن قصيدة (قيام السيد الذبيح) تقوم على بُعد معرفي يعتمد على إسقاط المعرفة على الواقع حيث ما نراه أمامنا اليوم تماما من تشظي الواقع العربي يماثل ما يتجلى لنا في بعض مقاطع القصيدة التي ترى الواقع بعين الشاعر.
ثم تلا ذلك شهادة قدمها الشاعر الكبير وصديق المحتفى به، الشاعر علي عبد الله خليفة حيث أشار إلى الرفقة التي ربطتهما معا والتي كانت بدايتها بالمراسلة حين راسل الشاعر بو هندي برنامجا في إذاعة البحرين والذي كان يقدمه الشاعر علي عبد الله خليفة هو برنامج (ظما الأوتار) خاص بالشعر العامي، ولتتوثق بعد ذلك علاقتهما عبر أسرة الأدباء والكتاب وعبر مشاركات في تمثيلها في عواصم العالم العربي والقفشات التي جمعتهما معا، وخصوصا في مشاركتهما برفقة الروائي الراحل عضو مجلس إدارة أسرة الأدباء والكتاب عبد الله خليفة.
ونوه الشاعر علي عبد الله خليفة بالتحدي الذي مثّلهُ أمام تجربة الشعر العامي ظهور الشاعر الراحل عبد الرحمن رفيع كشاعر مبدع للقصيدة العامية الساخرة، مما دفع كثيرين ممن لا يملكون قدرات عبد الرحمن رفيع على مجاراته لكنهم قدموا تجارب متواضعة حيث لم يمتلكوا ناصية الشعر وناصية السخرية الذكية كعبد الرحمن رفيع، وهو ما دفع مبدعي الشعر العامي في تلك الفترة ومن أهمهم علي عبد الله خليفة، إبراهيم بو هندي، فتحية عجلان، علي الشرقاوي، سلمان الحايكي وغيرهم، إلى كتابة قصيدة عامية عميقة ومختلفة تجعلها كأختها الفصحى إضافة حقيقية للتجربة الشعرية الحديثة، وكان برنامج (ظما الأوتار) الإذاعي منصة مهمة ورافعة حقيقية للشعر العامي الحديث.
ثم جاءت شهادة الناقد د. فهد حسين لتشير إلى زمالته مع المحتفى به إبان كونه رئيسا لأسرة الأدباء والكتاب وكون د. فهد حسين أمينا عاما لها واصفا إدارة بو هندي لمنصبه كرئيس للأسرة بأنها ملهمة ومثال للتعاون والثقة في زملاء العمل الإداري وإعطاؤه المكانة لمن يعملون معه ليمارسوا دورهم باستقلالية وبأدنى قدر من التدخل سواء في الإدارة أو في المؤتمرات والاجتماعات الأدبية التي يكونون فيها ضمن وفد يمثل الأسرة وهو ما يعكس ثقته في من يعملون معه.
وقدم بعد ذلك الشاعر كريم رضي شهادة حول نص مسرحية (إذا ما طاعك الزمان) للشاعر إبراهيم بو هندي، تناول فيها الملمح الإيقاعي في النص حيث تمثل في سيطرة بحر الرجَز على الفصل الأول وبحر الرمَل على الفصل الثالث والأخير وعلاقة هذا التوزيع الإيقاعي بمضمون الفصل نفسه، متسائلا عن إمكانية ربط نمط وزني ما أو بحر تفعيلي ما، بمضمون النص.
ثم جاء دور الشاعر إبراهيم بو هندي نفسه ليقف أمام الحضور الذين احتفوا به من زملاء الإبداع ومن الأصدقاء والعائلة، وليشكر هذا التكريم الحميم من الأسرة. وتحدث عن تجربته في الشعر عبر استجابته لأسئلة مدير الأمسية الشاعر والإعلامي صالح يوسف، حيث قال إنني بدأت الكتابة بالعامية لكن كنا نكتبها بالطريقة الحديثة والتفعيلة على منوال كتابتنا لقصيدة الفصحى. وأشاد بالدور الكبير لصديقه وزميله في الشعر وفي العمل الإداري الشاعر علي عبد الله خليفة ودوره في رفد العمل الإداري في الأسرة بمشورته وعلاقاته العميقة مع صناع القرار مما انعكس إيجابا بشكل كبير على الأسرة وخاصة في توفير مقر أسرة الأدباء والكتاب في الزنج عبر منحة ملكية مشكورة.
وختم حديثه بتمنيه على مجلس إدارة الأسرة بالتركيز على الشباب بشكل أكبر مشيدا بنسبة الأعضاء الشباب في مجلس الإدارة الحالي، ومؤكدا أن أيام الوفاء يجب أن تتواصل للاحتفاء بمزيد من المبدعين الرواد ومن جاء بعدهم.
واختتم الاحتفاء بهدية تذكارية هي عبارة عن بورتريه للشاعر تم رسمه خصيصا كلوحة ليقدم تذكارا من أسرة الأدباء والكتاب إلى الشاعر إبراهيم بو هندي كما تم أيضا توزيع الكتاب المخصص لتجربة إبراهيم بو هندي الشعرية الذي يضم عدة مقالات كُتبت حولها والذي كان قد صدر في عام 2019 مع احتفالات أسرة الأدباء والكتاب بيوبيلها الذهبي.