نافذة على الألم المتشظي.. قراءة في رواية «أيام الضباب» لإيمان عبد السلام.

حينما تقرأ رواية (أيام الضباب) للكاتبة البحرينية (إيمان عبد السلام)، فإنك تشعر بأن الحروف كتبت بنبض قلب امرأة وهو يتشظى من الألم بسبب ما رأته أو عايشته من آلام النساء ضمن قضايا تكرر تناولها في النصوص السردية مثل: الطلاق. الخيانة. قضية المعلقات. العنف الجسدي والمعنوي، غير أن الكاتبة في هذه الرواية التي صدرت مؤخراً عن دار (أفكار للثقافة والنشر في يونيو 2023- البحرين)، دخلت لهذا العالم المؤلم من بوابة زواج الرجل من امرأة ثانية.

تفتح رواية (أيام الضباب) جدلاً حول اشتغال أقلام الكاتبات البحرينيات بالكتابة عن قضايا المرأة خلال السنتين الأخيرتين، ويفرض ذلك تساؤلاً حول مدى إيجابية هذا التناول، ومما لا شك فيه أن المرأة البحرينية تحتل مكانة متقدمة ومرموقة في صدارة كتاب السرد في البحرين، والأسماء كثيرة في هذا المجال.

فقد تناولت ذات القضايا الكاتبة (منار السماك) في مجموعتها القصصية (غياب)، وتناولتها الكاتبة (فرحة النجدي) في روايتها الثانية (اسمه بدر)، كما تناولت الكاتبة (نادية الملاح) قضية المعلقات وهي إحدى القضايا الشائكة في الراهن المحلي وذلك في روايتها (بلا وجه)، ودارت الكاتبة (ندى نسيم) بنفس فلك هذه القضايا فيروساتها (عشت خادمة).

سردية الرواية:

تنتمي رواية (أيام الضباب) للأدب الاجتماعي، فهي تناقش أثر الزواج الثاني على الأسرة من خلال قصة أب ينتمي للطبقة المتوسطة، وهي تسرد الحكاية على لسان (لبنى) إحدى بنات ذلك الرجل إلى جانب أخوين وأختين، ويمكن تقسيم الرواية حدثياً إلى قسمين:

- الأول يتناول حدث زواج الأب وكيف أثر في الأسرة بعد أن أحضر زوجةً صغيرة من إحدى الدول العربية، حيث التقتير على الزوجة الأولى والأبناء، وعدم الاهتمام بمستقبل تعليمهم، لتبدأ مشاكلهم تكبر وهو غائب عنهم.

- والثاني يبدأ عندما يتم اختطاف (لبنى) من قبل (آصف) الباكستاني، ثم تتطور سردية الأحداث للتركيز على حياة (لبنى) التي تخرج قوية من دائرة الأحداث الشائكة، فتسافر للحصول على الماجستير من إحدى الجامعات الغربية، وخلال سفرها تتعرف على موظف السفارة (طارق) وينتهي المطاف بزواجها منه وهي في 37 عاماً.

بنية النص:

- الوصف والحوار:

اعتمد النص بشكل أساسي على الوصف والحوار، وقد تضافر هذان العنصران بالاعتماد على اللغة الرصينة فجاء النص سلساً وبسيطاً.

- الزمان والمكان:

غاب عنصرا الزمان والمكان بشكل شبه كلي إلا من بعض الإشارات مثل اسم المدينة التي وقعت فيها الحكاية وهي: «حصاة» (نسكن في قرية حصاة في أطراف العاصمة - ص7)، وهو اسم افتراضي لم يمكن المتلقي من تحديد بيئة النص، فأين تقع هذه القرية وبأي بلد؟ وكذلك الإشارة إلى الزمن في عبارة: (تزدان القرية بسقوط الأمطار في شهر نوفمبر بزهور النرجس الصفراء- ص 51)، فبأي عام وقعت الأحداث، أو لنتساءل عن الحقبة الزمنية.

وقد أضعف غياب الزمان والمكان الدقيق منطقية تصاعد بعض الأحداث في بعض مفاصل الحكاية، وبالذات حدث اختطاف (لبنى)، فإذا كانت الحكاية في البحرين فهل من الممكن أن يختطفَ وافدٌ فتاةً لأيام دون أن تتدخل الشرطة؟ أم أن القصة حدثت بدولة أخرى؟ وكيف يتمكن الخاطف من أخذ الفتاة للمطار؟ وكيف تمكن من تزوير جواز السفر وعقد الزواج حيث كان ينوي الخروج من البلاد بالفتاة إلى بلاده؟ فكيف نتصور وقوع هذه الأحداث بالطريقة التي تم سرد الأحداث فيها ونحن في زمن يسود فيه الأمان وتمسك الجهات الأمنية بزمان الأمور.

- الشخصيات:

ظهرت الشخصيات في مواقعها بشكل منطقي، وقد تحولت الحكاية بشكل تدريجي للتركيز على شخصية (لبنى)، ويمكن ذكر الملاحظات التالية على بناء الشخصيات:

1- لم يرتسم أثر الزواج من ثانية على شخوص الأسرة من الداخل، فعلى سبيل المثال لم نلاحظ تغيراً واضحاً في سلوك الزوجة، ولم نر ردة فعلها من خلال بنية الشخصية، وقد استعاضت الكاتبة بردود الأفعال التي برزت من خلال الحوار.

2- لم يتم تحديد المعالم الجسمانية للشخصيات الرئيسية، وكذلك لم تظهر الأبعاد النفسية العميقة للشخصية الرئيسية (لبنى) إلا حينما تم اختطافها فقد ظهرت شخصية مترددة وخائفة، وكان ذلك الرسم المتقن هو ما جعل حدث الاختطاف يكون منطقياً من شخص غير محترف للإجرام.

3- تمكنت الكاتبة من بناء الشخصيات الهامشية بشكل متقن أسهم في بناء سردية الحكاية بشكل جمالي مشوق، ومن هذه الشخصيات (الخالة) التي كانت تحاور (لبنى) حول أسباب زواج أبيها من ثانية، وعن كيفية دفاع المرأة عن حقوقها.

ملاحظات مهمة:

- لم أصل إلى خيط دقيق يربط بين العتبة الأولى للنص (أيام الضباب) وما ورد في النص من أحداث، فهل كان المقصود أيام الضباب التي قضتها في الولايات المتحدة الأمريكية للدراسة، أم هي أيام القلق التي عاشتها الأسرة بعد زواج الأب؟

- تضمنت الرواية الكثير من الأفكار المناصرة للمرأة، وقد جاءت بعضها في سياق الأحداث، وبعضها على لسان الشخصيات ومن أبرزها ما نقلته (لبنى) في نهاية الرواية بأنها تزوجت من موظف السفارة (طارق) وهي في عمر 37، وهنا أتساءل عن سبب ذكر زواجها بهذا العمر. هل هي دعوة للمرأة للتأخر في الزواج؟

- جاء سياق الأحداث مشوبا بتعاطف بين ناحية (لبنى) وأمها، وأخواتها، في المقابل أظهر الزوجة الثانية رمزاً للشر، والصفات السيئة فهي لا تتقن الطبخ، ولا تتعاون مع الأم، وتحيك الدسائس، وتخطط للمؤامرة بينما الطرف الثاني كان رمزاً للخير والبراءة الكاملة.

الدكتور جعفر الهدي
جريدة أخبار الخليج

شعار الخمسينيات

إصدارات الأسرة