صورة الآخر وتمثّلاته في الرواية العربية الصادرة في ألمانيا.

تخلق البيئات المختلفة اندماجًا ثقافيًا نوعيًا من خلال التمازج بين التجربة الإنسانية والفكر الأدبي للكاتب العربي المغترب بناءً على الظروف المعيشية المواتية والمتزامنة معًا، مما حدا معه بالأديب العربي كي يلعب أحد الأدوار الرئيسة في النهضة الثقافية والفكرية في البلاد الأوروبية.. وفي هذا السياق، نسلط الضوء على الكاتب والناقد الأدبي السوري موسى الزعيم، المقيم في ألمانيا منذ 2015، والذي استضافته مؤخرًا «أسرة الأدباء والكتاب»، للحديث عن رحلة هجرته.

الزعيم الذي أصدر عددًا من المجموعات القصصية، وتحصل على عدّة جوائز في مجال القصة القصيرة، تناول صورة الآخر الألماني وتمثلاتها في الرواية العربية الصادرة في ألمانيا، حيثُ تتبع حركة الأدب العربي هناك على مدى تسع سنوات، منطلقًا في البحث عن الكتاب العربي الصادر في ألمانيا حديثًا، إذ أن العروبة المنبثقة هناك نتيجة وجود ما يقارب أكثر من خمسة ملايين عربي بينهم مليون سوري تقريبا، شكلت أدبًا عربيًا من عدة ألوان، مما ساهم في سير عجلة الرواية العربية نحو التطور والذي على إثره ظهرت صورة الألماني..

إن الكتاب العرب الذين وصلوا في البداية إلى ألمانيا، راحوا يتخلصون من الكتابة عبر سرد ما في جعبتهم، ومن ثم بدأت ملامح البيئة المكانية والشخصية الألمانية تظهران في الرواية.. فموظفة الاستقبال ومن ثم معلمة اللغة الألمانية وموظفة مركز العمل وغيرهم مما يقابل الأديب المهاجر في بداية انتقاله، كان له بالغ الأثر في تناول هذه الشخصيات عبر منجزه لاحقًا.. إذ أن الكاتب العربي، يشعر بتفاعل هذه الشخصيات معه وتماسها مع حسناته سلبًا أو إيجابًا عن طريق المساعدة على سبيل المثال أو عن طريق تشكيلهم واقعًا فكريًا جديدًا للكاتب.. 

وأشار الزعيم إلى أن الرواية العربية بدأت ترتسم لها ملامح خاصة في ألمانيا وإن كانت البيئة العربية الأم طاغية إلا أنها بدأت تأخذ صورة الآخر شيئًا فشيئًا.. فقد نشأت علاقة تواصل بين الكتاب وأفراد المجتمع الألماني وبدأت الشخصيات الألمانية في التشكل وفق هذه النماذج مما حدى بالراوي إلى أن يحمل هذه الشخصيات أفكاره ومعتقداته، تمامًا كما في رواية «حي نوليندورف» للروائي عبد الحكيم شباط، حيث تتضح صورة المجتمع الألماني من الداخل وتتضح صورة الآخر من خلال شخصيات متعددة في هذا المجتمع وهي شخصيات إيطالية برازيلية وعربية وألمانية، يضعها في حس واحد ويسرد تفاعلها من خلال علاقتها بالشخصية الألمانية، حيث كانت الشخصية مكتملة عند شباط، إذ أنه خريج علم اجتماع وعلم نفس.

وبناءً على المعطيات، يمكننا معرفة وإدراك الشخصية الألمانية التي تميل إلى التحفظ والجدية وتقليل الفرح نتيجة الآثار النفسية والاجتماعية للحربين العالميتين، مما كان له بالغ الأثر على هذه الشخصية.. فالروح الالمانية هي روح وحيدة تعاني الاضطراب في محيطها من غير التوجع وفقًا لرأي الكاتب.. 

وينقلنا شباط في روايته «شارع بودين» إلى التغير الديموغرافي في شارع بودين وهو أحد شوارع برلين، من خلال شخصية معينة وهي شخصية (كارل) الذي يعد نموذجًا للمعلم الألماني المتقاعد، حيث شهد الثقافة الألمانية الحقيقية ونهضة ما بعد الحرب العالمية الثانية من خلال هيكلة التعليم كما و يتميز بالميل للتدين، فيمثل الكاريزما الالمانية خلال أحداث الرواية عبر ذهابه للكنيسة للصلاة بعد الانقطاع فترة عن الحي ليتفاجأ بأن الكنيسة صارت مسجدًا.. 

يرسم لنا الكاتب شخصية (كارل) من منطلق الوعي إذ يبدأ في حوار مع المسلمين في ذلك الحي بالإضافة إلى رؤية التغير الديموغرافي آنذاك، مشيراً إلى انفتاح (كارل) على الآخر والتفاعل معه من خلال الواقع الذي تتحدث عنه الرواية بحالة من الوعي تتسم بالتسامح والتعايش عن طريق مساعدة الآخرين وتعليم الأطفال للغة العربية. 

كما تناول الزعيم الرواية الحديثة في مرحلة ما بعد اللجوء مستشهداً برواية «كوابيس مستعملة» للروائي عبد الله القصير، حيث وقف على شخصيتها الرئيسية (آنيا) التي تمثل شخصية المرأة المحملة بأفكارها وأفكار الكاتب.. يرسم الراوي خلال هذا النص ملامح المرأة النفسانية والشخصية إذ تتراءى للقارئ وكأنها مدينة رحل عنها سكانها، تراودها نوبات البكاء وأفكار الانتحار، علاوةً على تناول قضية مهمة جداً وهي قضية العنف في ألمانيا ضد المرأة الذي يجسده ابن (آنيا)، حيث استطاع الراوي عبر سرده الدخول لعالم (آنيا) واستنطاقها ونجح في اسقاط ظلال ألمانيا وما تعانيه من الحزب البديل على هذه الشخصية. كما واستحضر شخصية (رالف) وهو رجل ألماني زار سوريا وتعلم العربية مبرزًا دور الشخصية الرئيسية هذه كيد سحرية تخفف الألم عن هذا اللاجئ المتعثر في بدايته وتساعده في قضايا اللجوء.. 

وألقى الضوء على رواية «ملاذ العتمة» للروائي ضاهر عيطة حيث تموضعت شخصية الصحفية أو الإعلامية (سيلينا) وهي صحفية تطرح العديد من الأسئلة منها: لماذا يأتي اللاجئون لألمانيا؟ لماذا لا ترتبط بشخص شرقي تعيش معه كما في حكايا ألف ليلة وليلة؟ وإبان ذلك تقوم بإنقاذ شيخاً تتزوج منه فيما بعد. يظهر الكاتب في هذا النص مأساة اللجوء ويبين لماذا يهرب اللاجئين.. فضلاً على إسباغ الطابع العربي على هذه الشخصية التي تعرف بعض الكلمات العربية إذ كانت جدتها في يوم من الأيام لاجئة من اليونان إلى أحد البلدان العربية. 

وفي رواية «تشريح الرغبة» للرواية المغربية ريم نجمي، تتحدث الكاتبة عن حياة امرأة المانية تعيش مع كاتب عربي وهي امرأة عارفة بالقوانين كونها شخصية واعية لها عين ثاقبة تحبّ الفرح والحياة والمرح، متحررة ولديها الوعي في اقتناص اللحظة، تدير أمورها بعقلانية. وقد انتهت علاقتها بزوجها المغربي بالطلاق.. 

وأمّا عن رواية «جمهورية الكلب» يبرز الكاتب إبراهيم اليوسف علاقة المرأة الألمانية بالكلب وفق رؤيتها الخاصة المتمثلة في النص وهي أن من يحبها يجب أن يحب كلبها مرورًا بذكريات امتلاك جدّها لكلب عزيز عليه وغالي الثمن في يوم ما.. وفي المحصلة هذه المرأة دربت كلبها على أن يذهب إلى شخص لاجئ وهو شخص موثوق دلالة على قبولها له وثقتها به.

وفي رواية «نانجور» للكاتب أمير ناصر التي تتحدث عن قصة حب في حرب دارفور بين شمال السودان وجنوبه من خلال شخصية ريكاردو الألماني الذي عمل في فرق الإغاثة في أفريقيا اثناء الحرب، والتي عبرها يسمع القارئ صوته من خلال الآخر.. 

وبناءً على جميع ما سبق، فإن ظهور الآخر في الرواية العربية بشكل عام يتضح من خلال الاحتلال والانتداب وتموضع شخصية الآخر وقد ظهرت بعض النماذج العربية التي بدأت في الكتابة عن الآخر من خلال طائفة أو قومية أو إثنية أو بلد آخر.. واليوم أصبح الآخر موجودًا في الرواية العربية الألمانية، وأضحت تعبر عنه الشخصية المسالمة، فلم يعد هناك شخصية ضديّة فالشخصية الألمانية في الرواية العربية تمدّ جسور التواصل مع الآخر العربي وغير العربي من خلال البعد الإنساني.

وفاء فيصل


شعار الخمسينيات

إصدارات الأسرة