«الأدباء والكُتَّاب» تناقش مفهوم المترجم والترجمة كوسيط ثقافي

نظمت «أسرة الأدباء والكتاب» ندوة حول كتاب (Understanding the prophetic Hadith; Issues Related to Translation of Mishkat Al Masabih)، «فهم الحديث النبوي، مسائل في ترجمة مشكاة المصابيح»، لأستاذة الترجمة بجامعة البحرين، الدكتورة ضياء الجلاهمة، تحت عنوان «المترجم كوسيط ثقافي»، مساء الأحد 19 نوفمبر 2023، بمشاركة الأكاديميين بالجامعة، الدكتور نوري العجيلي، أستاذ اللغة الإنجليزية وآدابها، والدكتور عمرو نورالدين، أستاذ الترجمة واللغويات، وأدارها المترجم محمد المبارك.

وانطلقت الندوة، بتناول مفهوم الترجمة الثقافية، حيثُ بيَّن العجيلي الصعوبات التي تواجه هذا النوع من الترجمة، مؤكدًا بأن «الترجمة ليست لغة وحسب، وإنما هي ثقافة»، ليشير بذلك إلى ضرورة وعي المترجم بالمنظومتين الثقافيتين التي يقف المترجم بينهما، بين ثقافة اللغة المترجم منها، وتلك المترجم عنها، حيثُ تلعب الترجمة الدور المحوري في إسقاط الحواجز، وتيسير المعرفة بين الثقافات، بيد أن التعامل مع الثقافة في الترجمة أمرٌ شائك، كما يشدد العجيلي، فمن غير الممكن للمترجم أن ينقل نصًّا دون معرفة باللغتين والثقافتين، مؤكدًا «لا تكفي المعرفة السطحية باللغة، المتمثلة في النحو والصرف، لمنح المترجم الأدوات اللازمة للترجمة الثقافية».

وأشار العجيلي إلى أهمية الفهم الثقافي للنص المُترجم، نظرًا لكون اللغة تعكس ثقافة النص الأصل، وتجاهل تمثيل المكنونات الثقافية في النص، أو عدم إداركها بوصفها فروقاً ثقافية، «تؤدي لعواقب وخيمة»، كما قال، إذ ينبغي على المترجم أن يوازن بين مدارس الترجمة المتعددة، وأبرزهما «التغريبية»، و«التوطينية»، حيثُ تمثل الأولى الترجمة المحتفظة بشيءٍ من غربة النص المترجم منه، فيما تتمثل الثانية في تقليل الغرابة لجعل الترجمة أقرب لثقافة اللغة المترجم إليها.
ويبين العجيلي بأن النقاش بين هاتين المدرستين يصل إلى حد التصادم، إذ تذهب بعض الآراء المؤيدة للتغريب، إلى ضرورة أن تقارب الترجمة النص المترجم عنه، فيما ترى بعض الآراء المؤيدة للتوطين بأن المبالغة في ذلك، يصل بنا إلى حد «القهر الإمبريالي»، لافتاً إلى أن المترجم مطالب بـ «امتلاك الكفاءة المعرفية، حيث المترجم الكفء هو من يملك معرفة بالقيم الثقافية للغتين»، مبيناً بأن المترجم في ذات الوقت، مطالب بمراعات أغراض المؤلف.

كما عرَّج العجيلي على كتاب الدكتورة الجلاهمة، الذي هدف إلى «الحفاظ على الصورة المشرقة للهدي النبوي، من خلال وضع أسس علمية سليمة لترجمة الأحاديث النبوية»، مشكلاً بذلك مرجعًا هو الأول من نوعه، حيثُ أُلف نتيجة لما وجدتهُ الجلاهمة من تهجم على سماحة الإسلام، منشؤه الصورة المغلوطة التي يتلقاها المتلقي الغربي من خلال ما يصله من ترجمة الأحاديث النبوية، خاصة تلك المتعلقة بالمرأة. وحول هذا الكتاب، علق العجيلي باقتضاب، مؤكدًا بأن الكتاب «قدم قراءة نقدية لترجمتين بارزتين لكتاب (مشكاة المصابيح)، من خلال وجهة النظر الوظيفية في الترجمة»، متطرقًا من خلال ذلك إلى الترجمة الدينية، التي أسهب فيها الدكتور نور الدين، منطلقًا من سؤال: لماذا تعتبر الترجمة الدينية من أصعب الترجمات؟

وفي سياق الإجابة عن هذا السؤال، لفت نور الدين بأن صعوبة الترجمة الدينية، تكمن في «عدم وجود نظير لغوي لبعض المصطلحات الدينية»، مشيراً إلى كلمة «زكاة» في اللغة العربية، والتي يستعصي ترجمتها ترجمة عابرة، لكونها مفهوم لا نظير لغوي له في الإنجليزية، ما يجعل «الكثير من المعاني الدينية تفتقر للنظير المناسب»، وهو الأمر الذي يستدعي على المترجم الشرح والتفصيل أحيانًا.
كما لفت نورالدين إلى إشكالية المعاني الدلالية، مبينًا بأن الكثير من النصوص الدينية تمتلأ بهذه الدلالات الضمنية، وهو الأمر الذي يحتم على المترجم، كما يرى نور الدين، لتبني الترجمة الإيضاحية «التي تفرض تدخل المترجم في النص»، بالإضافة لمراعاة الفروقات الثقافية، حيثُ تجد شعوبًا شيئًا محببًا إليها، فيما هو لدى شعوب أخرى مكروه أو غير مرغوب.

وفيما يتعلق باللغة العربية، يلفت نورالدين، إلى البلاغة والتشبيهات، التي تزيد صعوبة الترجمة الدينية، ما يستدعي تدخل المترجم، ومن ثم يثير الأمر إشكالية أمانة المترجم، التي يؤكد نور الدين بأنها ينبغي أن تكون «أمانة في المحتوى، لا في المعنى الحرفي»، حيثُ إن الترجمة الثقافية والدينية تستدعي بالضرورة التدخل الإيضاحي للمترجم.

وشهدت الندوة العديد من المداخلات التي ناقشت مفهوم الترجمة الثقافية والدينية، بالإضافة لبعض التعقيبات على كتاب الدكتورة الجلاهمة، التي بيّنت في مداخلتنا بأن النص الديني، يستدعي أن يترجم من قبل فرق عمل مكونة من اختصاصيين في مختلف المجالات؛ نظرًا للتعقيدات والتحديات التي قد تواجه المترجم الفرد المتصدر لترجمة هذا النوع من النصوص.


شعار الخمسينيات

إصدارات الأسرة